للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

{ذِي الْقَرْنَيْنِ} كانت أخبار سيرته خفيَّة مجملة مغلقة، فسألوا النبي - صلى الله عليه وسلم - عن تحقيقها وتفصيلها، وأذن له الله تعالى أن يبين منها ما هو موضع العبرة للناس في شؤون الصلاح والعدل، وفي عجيب صنع الله تعالى في اختلاف أحوال الخلق، فكان أحبار اليهود منفردين بمعرفة إجماليّة عن ذلك، فلذلك كان توجيه اليهود! ولم يتجاوز القرآن الكريم ذكر هذا الرجل بأكثر من لقبه المشتهر به إلى تعيين اسمه وبلاده وقومه، لأن ذلك من شؤون أهل التاريخ والقصص، وليس من أغراض القرآن، فكان منه الاقتصار على ما يفيد الأمّة من هذه القصّة عبرة حكميّة وخلقيّة، فقال عزَّ وجلَّ: {قُلْ سَأَتْلُو عَلَيْكُم مِّنْهُ ذِكرًا}!

روى الزبير بن بكّار وسفيان بن عيينة في جامعه والضياء المقدسي في صحيحه (١)، كلاهما من طريق آخر بسند صحيح -كما قال الحافظ- عن أبي الطفيل أن ابن الكوّاء، قال لعلي بن أبي طالب رضي الله عنه: أخبرني عن ذي القرنين نبيًّا كان أم ملِكاً؟ قال: لم يكن نبيًّا ولا ملِكاً، ولكن كان عبداً صالحاً أحبّ الله فأحبَّه، ونصح لله فنصحه .. ومعلوم أن القرآن الكريم هو المصدر الوحيد لما ورد فيه من القصص التاريخي، ومن البديهي أنه لا يجوز محاكمته إلى التاريخ لسببين واضحين: (٢)

أولهما: أن التاريخ مولود حديث العهد، فاتته أحداث لا تُحصى في تاريخ البشريّة، لم يعلم عنها شيئاً، والقرآن يروي بعض هذه الأحداث التي ليس لدى التاريخ علم بها!


(١) سبل الهدى والرشاد: ٢: ٣٤٨ بتصرف.
(٢) في ظلال القرآن: ٤: ٢٢٩٠ وما بعدها.

<<  <  ج: ص:  >  >>