لقد مكّن الله له في الأرض، فأعطاه سلطاناً وطيد الدعائم، ويسّر له أسباب الحكم والفتح، وأسباب البناء والعمران، وأسباب السلطان والمتاع .. وسائر ما هو من شأن البشر أن يمكّنوا فيه في هذه الحياة {فَأَتْبَعَ سَبَبًا} ومضى في وجه مما هو ميسَّر له، وسلك طريقه إلى الغرب!
ومغرب الشمس هو المكان الذي يرى الرائي أن الشمس عنده وراء الأفق، وهو يختلف بالنسبة للمواضع، فبعضها يرى الرائي فيها أن الشمس تغرب خلف جبل، وبعضها يرى أنها تغرب في الماء كما في المحيطات الواسعة والبحار، وبعضها يرى أنها تغرب في الرمال إذا كان في صحراء مكشوفة على مدّ البصر!
والظاهر أن ذا القرنين غرب حتى وصل إلى نقطة على شاطئ المحيط الأطلسي -وكان يسمّى بحر الظلمات ويظن أن اليابسة تنتهي عنده- فرآى الشمس تغرب فيه!
والأرجح أنه كان عند مصبّ أحد الأنهار، حيث تكثر الأعشاب ويتجمع حولها طين لزج هو الحمأ، وتوجد البرك وكأنها عيون الماء .. فرأى الشمس تغرب هناك {وَجَدَهَا تَغْرُبُ فِي عَيْنٍ حَمِئَةٍ}. ولكن يتعذّر علينا تحديد المكان، وليس لنا مصدر آخر موثوق به نعتمد عليه في تحديده، وكل قول غير هذا ليس مأموناً؛ لأنه لا يستند إلى مصدر صحيح!
عند هذه الحمئة وجد ذو القرنين قوماً: {قُلْنَا يَا ذَا الْقَرْنَيْنِ إِمَّا أَنْ تُعَذِّبَ وَإِمَّا أَنْ تَتَّخِذَ فِيهِمْ حُسْنًا (٨٦)}