للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وقد كان كفرهم قبيحاً، لأنهم كفروا بالنبي الذي ارتقبوه، واستفتحوا به على الكافرين، أي ارتقبوا أن ينتصروا به على من سواهم، وقد جاءهم بكتاب مصدّق لما معهم: {وَلَمَّا جَاءَهُمْ كِتَابٌ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ مُصَدِّقٌ لِمَا مَعَهُمْ وَكَانُوا مِنْ قَبْلُ يَسْتَفْتِحُونَ عَلَى الَّذِينَ كَفَرُوا فَلَمَّا جَاءَهُمْ مَا عَرَفُوا كَفَرُوا بِهِ}! وهو تصرّف يستحق الطرد والغضب لقبحه وشناعته .. ومن ثم يصبّ عليهم اللعنة ويصمهم بالكفر: {فَلَعْنَةُ اللَّهِ عَلَى الْكَافِرِينَ (٨٩)}!

ويفضح السبب الخفي لهذا الموقف الشائن الذي وقفوه، بعد أن يقرّر خسارة الصفقة التي اختاروها: {بِئْسَمَا اشْتَرَوْا بِهِ أَنْفُسَهُمْ أَنْ يَكْفُرُوا بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ بَغْيًا أَنْ يُنَزِّلَ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ عَلَى مَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ فَبَاءُوا بِغَضَبٍ عَلَى غَضَبٍ وَلِلْكَافِرِينَ عَذَابٌ مُهِينٌ (٩٠)}!

بئسما اشتروا به أنفسهم أن يكفروا .. لكأن هذا الكفر هو الثمن المقابل لأنفسهم! والإنسان يعادل نفسه بثمن ما، يكثر أو يقل، أما أن يعادلها بالكفر فتلك أبأس الصفقات وأخسرها، ولكن هذا هو الواقع، وإن بدا تمثيلاً وتصويراً!

لقد خسروا أنفسهم في الدنيا، فلم ينضموا إلى الموكب الكريم العزيز .. ولقد خسروا أنفسهم في الآخرة، بما ينتظرهم من العذاب المهين .. وبماذا خرجوا في النهاية؟ خرجوا بالكفر، هو وحده الذي كسبوه وأخذوه!

وكان الذي حملهم على هذا كله هو حسدهم لخاتم النبيين - صلى الله عليه وسلم - أن يختاره الله للرسالة التي انتظروها فيهم، وحقدهم لأن ينزل الله من فضله على من يشاء من عباده، وكان هذا بغياً منهم وظلماً، فعادوا من هذا الظلم بغضب على غضب، وهناك ينتظرهم عذاب مهين، جزاء الاستكبار والحسد والبغي الذميم!

<<  <  ج: ص:  >  >>