للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

إنهم يعبدون أنفسهم، ويتعتدون لعصيبّتهم .. لا بل إنهم ليعبدون هواهم، فلقد كفروا من قبل بما جاءهم أنبياؤهم به .. ويلقن الله خاتم النبييِّن - صلى الله عليه وسلم - أن يجبههم بهذه الحقيقة، كشفاً لموقفهم وفضحاً لدعواهم: {قُلْ فَلِمَ تَقْتُلُونَ أَنْبِيَاءَ اللَّهِ مِنْ قَبْلُ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ (٩١)}!

ونقف هنا لحظة أمام التعبيرين المصوّرين العجيبين: {قَالُوا سَمِعْنَا وَعَصَيْنَا وَأُشْرِبُوا فِي قُلُوبِهِمُ الْعِجْلَ بِكُفْرِهِمْ}! إنهم قالوا: {سَمِعْنَا} ولم يقولوا {عَصَيْنَا}، ففيم إذن حكايته هذا القول عنهم هنا؟

إنه التصوير الحيّ للواقع الصامت كأنه واقع ناطق .. لقد قالوا بأفواههم {سَمِعْنَا}، وقالوا بأعمالهم {عَصَيْنَا}، والواقع العملي هو الذي يمنح القول الشفوي دلالته، وهذه الدلالة أقوى من القول المنطوق .. وهذا التصوير الحيّ للواقع يومئ إلى مبدأ كلي من مبادئ الإسلام: إنه لا قيمة لقول بلا عمل .. إن العمل هو المعتبر، أو الوحدة بين الكلمة المنطوقة والحركة الواقعة، ومناط الحكم والتقدير!

فأما الصورة الغليظة التي يرسمها: {وَأُشْرِبُوا فِي قُلُوبِهِمُ الْعِجْلَ بِكُفْرِهِمْ}! فيظل الخيال يتمثل تلك المحاولة العنيفة الغليظة، وتلك الصورة المجسمة لتؤديه، وهو حبّهم الشديد لعبادة العجل، حتى لكأنهم أشربوه إشراباً في القلوب!

هنا تبدو قيمة التعبير القرآنيّ المصوّر، بالقياس إلى التعبير الذهني المفسّر .. إنه التصوير .. السمة البارزة في التعبير القرآني الجميل!

لقد كانوا يطلقونها دعوى عريضة .. (إنهم شعب الله المختار) .. إنهم

<<  <  ج: ص:  >  >>