عجيبة حقًّا .. لقد بلغ هؤلاء القوم من الحنق والغيظ من أن ينزل الله من فضله على من يشاء من عباده مبلغاً يتجاوز كل حدّ، وقادهم هذا إلى تناقض لا يستقيم في عقل .. لقد سمعوا أن جبريل عليه السلام ينزل بالوحي من عند الله على خاتم النبيين محمَّد - صلى الله عليه وسلم - .. ولمّا كان عداؤهم لمحمد - صلى الله عليه وسلم - قد بلغ مرتبة الحقد والحنق فقد لجّ بهم الضغن أن يخترعوا قصّةً واهيةً، وحجّةً فارغةً، فيزعموا أن جبريل عدوّهم؛ لأنه ينزل بالهلاك والدمار والعذاب، وأن هذا هو الذي يمنعهم من الإيمان بمحمد - صلى الله عليه وسلم - من جراء صاحبه جبريل! ولو كان الذي ينزل إليه بالوحي هو ميكائيل لآمنوا، فميكائيل ينزل بالرخاء والمطر والخصب!
إنها الحماقة المضحكة، ولكن الغيظ والحقد يسوقان إلى كل حماقة، وإلا فما بالهم يعادون جبريل؟ وجبريل لم يكن بشراً يعمل معهم أو ضدّهم، ولم يكن يعمل بتصميم من عنده وتدبير؟ إنما هو عبد الله يفعل ما يأمره ولا يعصي الله ما أمره!
فما كان له من هوى شخصي، ولا إرادة ذاتيّة في أن ينزل على قلبك .. إنما هو منفذ لإرادة الله وإذنه في تنزيل هذا القرآن على قلبك .. والقلب هو موضع التلقّي، وهو الذي يفقه بعد التلقّي، ويستقر هذا الكتاب فيه ويحفظ .. والقلب يعبر به في القرآن عن قوّة الإدراك جملة، وليس هو العضلة المعروفة بطبيعة الحال:{نَزَّلَهُ عَلَى قَلْبِكَ بِإِذْنِ اللهِ مُصَدِّقًا لِمَا بَيْنَ يَدَيْهِ وَهُدًى وَبُشْرَى لِلْمُؤْمِنِينَ}!
والقرآن يصدّق في عمومه ما سبقه من الكتب السماويّة، فأساس دين الله