للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

إنها يهود، في ماضيها وحاضرها ومستقبلها سواء، وما ترفع رأسها إلا حين تغيب المطرقة، فإذا وجدت المطرقة نكست الرؤوس .. وعنت الجباه جبناً وحرصاً على حياة .. أيّ حياة! {وَمِنَ الَّذِينَ أَشْرَكُوا يَوَدُّ أَحَدُهُمْ لَوْ يُعَمَّرُ أَلْفَ سَنَةٍ وَمَا هُوَ بِمُزَحْزِحِهِ مِنَ الْعَذَابِ أَنْ يُعَمَّرَ وَاللهُ بَصِيرٌ بِمَا يَعْمَلُونَ}!

يودّ أحدهم لو يعمرّ ألف سنة، ذلك لأنهم لا يرجون لقاء الله، ولا يحسّون أن لهم حياة غير هذه الحياة .. وما أقصر الحياة الدنيا وما أضيقها حين تحسّ النفس الإنسانيّة أنها لا تتّصل بحياة سواها، ولا تطمع في غير أنفاس وساعات على الأرض معدودة .. إن الإيمان بالحياة الآخرة نعمة .. نعمة يفيضها الإيمان على القلب .. نعمة يهبها الله للفرد الفاني العاني، المحدود الأجل الواسع الأمل، وما يغلق أحد على نفسه هذا المنفذ إلى الخلوة، إلا وحقيقة الحياة في روحه قاصرة أو مطموسة .. فالإيمان بالآخرة -فوق أنه إيمان بعدل الله المطلق، وجزائه الأوفى، هو ذاته دلالة على فيض النفس بالحيويّة، وعلى امتلاء بالحياة لا يقف عند حدود الأرض، إنما يتجاوزها إلى البقاء الطليق، الذي لا يعلم إلا الله مداه، وإلى المرتقى السامي الذي يِتجه صعداً إلى جوار الله!

ويمضي السياق بتلقين جديد من الله لخاتم رسله - صلى الله عليه وسلم - يتحدّاهم به، ويعلن الحقيقة التي يتضمنها على رؤوس الأشهاد: {قُلْ مَنْ كَانَ عَدُوًّا لِجِبْرِيلَ فَإِنَّهُ نَزَّلَهُ عَلَى قَلْبِكَ بِإِذْنِ اللهِ مُصَدِّقًا لِمَا بَيْنَ يَدَيْهِ وَهُدًى وَبُشْرَى لِلْمُؤْمِنِينَ (٩٧) مَنْ كَانَ عَدُوًّا لِلَّهِ وَمَلَائِكَتِهِ وَرُسُلِهِ وَجِبْرِيلَ وَمِيكَالَ فَإِنَّ اللهَ عَدُوٌّ لِلْكَافِرِينَ} (البقرة).

وفي قصة هذا التحدّي نطلع على سمة أخرى من سمات يهود .. سمة

<<  <  ج: ص:  >  >>