للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

{وَلَقَدْ أَنْزَلْنَا إِلَيْكَ آيَاتٍ بَيِّنَاتٍ وَمَا يَكْفُرُ بِهَا إِلَّا الْفَاسِقُونَ (٩٩) أَوَكُلَّمَا عَاهَدُوا عَهْدًا نَبَذَهُ فَرِيقٌ مِنْهُمْ بَلْ أَكْثَرُهُمْ لَا يُؤْمِنُونَ (١٠٠) وَلَمَّا جَاءَهُمْ رَسُولٌ مِنْ عِنْدِ اللهِ مُصَدِّقٌ لِمَا مَعَهُمْ نَبَذَ فَرِيقٌ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ كِتَابَ اللهِ وَرَاءَ ظُهُورِهِمْ كَأَنَّهُمْ لَا يَعْلَمُونَ (١٠١)} [البقرة: ٩٩ - ١٠١]!

لقد كشف القرآن هنا عن علّة كفر بني إسرائيل بتلك الآيات البيّنات التي أنزلها الله .. إنه الفسوق وانحراف الفطرة، فالطبيعة المستقيمة لا يسعها إلا الإيمان بتلك الآيات، وهي تفرض نفسها فرضاً على القلب المستقيم .. فإذا كفر بها اليهود أو غيرهم فليس هذا لأنه لا مقنع فيها ولا حجة، ولكنهم لأنهم هم فاسدو الفطرة فاسقون!

ثم يلتفت إلى المسلمين، وإلى الناس عامة، مندّداً بهؤلاء اليهود، كاشفاً عن سمة من سماتهم الوبيئة .. إنهم جماعة مفكّكة الأهواء -رغم تعصّبها الذميم- فهم لا يجتمعون على رأي، ولا يثبتون على عهد، ولا يستمسكون بعروة، ومع أنهم متعصّبون لأنفسهم وجنسهم، يكرهون أن يمنح الله شيئاً من فضله لسواهم، إلا أنهم مع هذا لا يستمسكون بوحدة، ولا يحفظ بعضهم عهد بعض، وما من عهد يقطعونه على أنفسهم حتى تندّ منهم فرقة فتنقض ما أبرموا، وتخرج على ما أجمعوا: {أَوَكُلَّمَا عَاهَدُوا عَهْدًا نَبَذَهُ فَرِيقٌ مِنْهُمْ بَلْ أَكْثَرُهُمْ لَا يُؤْمِنُونَ (١٠٠)}.

وقد أخلفوا ميثاقهم مع الله تحت الجبل، ونبذوا عهودهم مع أنبيائهم من بعد، وأخيراً نبذ فريق منهم عهدهم الذي أبرموه مع خاتم النبيين - صلى الله عليه وسلم - أول مقدمه إلى المدينة -كما سيأتي- وهو العهد الذي وادعهم فيه بشروط معيّنة .. بينما

<<  <  ج: ص:  >  >>