لقد علم الله صدق قلوبهم وألسنتهم، وصدق عزيمتهم على المضي في الطريق، وصدق تصميمهم على أداء الشهادة لهذا الدّين القيّم الذي دخلوا فيه، ولهذا الصفّ المسلم الذي اختاروه، واعتبارهم أن أداء هذه الشهادة -بكل تكاليفها في النفس والمال- منّة يمنّ الله بها على من يشاء من عباده، واعتبارهم كذلك أنه لم يعد لهم طريق يسلكونه إلا هذا الطريق الذي أعلنوا المضيّ فيه، ورجاءهم في ربّهم أنه يدخلهم مع القوم الصالحين!
لقد علم الله منهم هذا كله، فقبل منهم قولهم، وكتب لهم الجنّة جزاء لهم، وشهد لهم سبحانه بأنهم محسنون، وأنه يجزيهم جزاء المحسنين: {فَأَثَابَهُمُ الله بِمَا قَالُوا جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَذَلِكَ جَزَاءُ الْمُحْسِنِينَ (٨٥)}!
والإحسان أعلى درجات الإيمان والإِسلام .. والله جلّ جلاله قد شهد لهذا الفريق من الناس بأنه من المحسنين!
إنه فريق خاص محدّد الملامح، هذا الذي يقول عنه القرآن الكريم:{وَلَتَجِدَنَّ أَقْرَبَهُمْ مَوَدَّةً لِلَّذِينَ آمَنُوا الَّذِينَ قَالُوا إِنَّا نَصَارَى}!
فريق لا يستكبر عن الحق حين يسمعه، بل يستجيب له تلك الاستجابة العميقة الجاهرة الصريحة، وهو فريق لا يتردّد في إعلان استجابته للدّين القيم، والانضمام للصف المسلم، والانضمام إليه بصفة خاصّة في تكاليف هذه العقيدة، وهي أداء الشهادة لها بالاستقامة عليها، والجهاد لإقرارها وتمكينها .. وهو فريق علم الله منه صدق قوله فقبله في صفوف المحسنين!
ولكن السياق القرآني لا يقف عند هذا الحدّ في تحديد ملامح هذا الفريق