وولده وسائر أهل بيته وقرابته أوّلاً، وعامة المسلمين ثانياً في سواء من أمرهم، لا يتميّز منهم أحد على أحد في الحق فيه، أو إعطائه له!
وعمر الفاروق - رضي الله عنه - أصبح بإسلامه عبقريّ الدنيا بشهادة الرسول - صلى الله عليه وسلم - فيما يرويه البخاري عن عبد الله بن عمر من حديث طويل:"فلم أَر عبقَريًّا يَفْري فِريَّه"(١)!
فأي شيء يكون الإعجاز في صنع النفوس، وخَلْقها خلقاً جديداً، وإبداعها إبداعاً سويًّا، تتسامى به في تفكيرها وعملها وقوّة إيمانها، إذا لم يكن هذا الذي كان لعُمر الفاروق بإسلامه إعجازاً؟!
فإذا قلنا إن إسلام عمر كان نفحةً من نفحات الإعجاز في صنع النفوس الإنسانيّة في رسالة محمَّد - صلى الله عليه وسلم -، لم يكن القصد إلى شيء من أساليب المجاز والرمز، ولا إلى شيء من المبالغة التعبيريّة، ونصاعة البيان، في تصوير ما صار إليه عمر الفاروق بإسلامه بعد جاهليّته من عظمة شخصيّة، وعبقريّة فكريّة، وألمعيّة عمليّة، لتضفي على هذا الحدث الخطير في تاريخ الحياة من الألوان ضرباً من الخيال الفضفاض، ولكن القصد إلى حقيقة الإعجاز الإنساني التي تميّزت به هذه الرسالة الخالدة، في صنع النفوس، وتربية الرجال، في مدارس آياتها، ومعاهد آدابها، وهي بطبيعتها الإنسانيّة ومصدرها الإلهيّ في غُنْيَة عن التحدّي بالمعجزات الماديّة التي تُكْره العقول على الإيمان بها؛ لأنها رسالة الإنسان جاء ته لتكشف له الحجب عن حقيقته، حتى يعرف نفسه ومكانه في الحياة، فهي رسالة تخاطب العقل والروح والقلب، وتحرّك الوجدان، وتثير العواطف والشعور والإحساس!