وأصبح عمر الفاروق - رضي الله عنه - رجل الإِسلام (١)، وبطل الدعوة الإِسلاميّة التي ستقوّض بنيان الجاهليّة، وتقضي قضاءً مبرماً على الوثنية في شتّى أشكالها، وتزيل الشرك على اختلاف ألوانه، وتهدم دعائم المجد الماديّ الزائف، وتبخع الطغيان الظلوم، وتبني الحياة من جديد على أسس من العدل والحق والمواساة، بنياناً يجعل من الإنسانيّة كلها في إخائها وتعاطفها وتوادّها وتعاونها على البرّ والتقوى جسداً واحداً، تتقمصه روح واحدة، هي روح البرّ والرحمة!
وصار عُمر الفاروق الرجل الثاني في جميع أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم -!
فإذا كان أبو بكر الصدّيق - صلى الله عليه وسلم - هو الرجل الأوّل في إعادته رَسَن الإِسلام إلى غربه، وفي توطيد أركان الدعوة بعد أن تزلزلت الحياة الإِسلاميّة بوفاة رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، وبما أعقب ذلك من محاولة تفكّك عروة المجتمع الإسلامي وانفراط عصامه، بموقفه يومئذ من الخلافة والردّة موقفاً انفرد به في تاريخ الإِسلام، حزماً وعزماً، وقوة تدبير، وشجاعة قلب، واستقامة رأي، وعلوّ حجّة، وسرعة حركة في التوجيه، وإحكام ضربات حاسمة، ردّت العقول الثائرة إلى مرابضها، والعقول الفاترة إلى ثورتها، وسلطان الإِسلام إلى أفقه، ووحدة المسلمين إلى منهجها في السير برسالة محمَّد - صلى الله عليه وسلم - إلى غايتها وأهدافها في فتح القلوب، وإيقاظ العقول!
فإن عُمر الفاروق - رضي الله عنه - هو الرجل الأوّل في إقامة دعائم الإِسلام، نظاماً وحكماً، لم تعرف الدنيا له مِثْلاً في العدل، وإقامة الحق، واستقامة السلوك، وتطبيق أحكام الإِسلام، على الأفراد، مهما كان شأنهم، وعلى الجماعات، مهما عظم خطرها، وفي تحقيق الأسوة المرئيّة للناس بأبصارهم في نفسه
(١) محمَّد رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: ١: ٦٦٦ وما بعدها بتصرف.