يستغيثون فلا يغاثون، وقد تخلّى عنهم الاستكبار وأدركتهم الذّلة، وتخلّوا عن الشقاق، ولجؤوا إلى الاستعطاف، ولكن بعد ذوات الأوان: {كَمْ أَهْلَكْنَا مِنْ قَبْلِهِمْ مِنْ قَرْنٍ فَنَادَوْا وَلَاتَ حِينَ مَنَاصٍ (٣)}!
فلعلهم حين يتملّون هذه الصفحة أن يطامنوا من كبريائهم، وأن يرجعوا عن شقاقهم، وأن يتمثّلوا أنفسهم في موقف أولئك القرون، ينادون ويستغيثون، وفي الوقت أمامهم فسحة، قبل أن ينادوا ويستغيثوا، ولات حين مناص، ولا موضع حينذاك للغوث ولا للخلاص!
يطرق قلوبهم تلك المطرقة، ويوقع عليها هذا الإيقاع، قبل أن يعرض تفصيل تلك العزّة وهذا الشقاق، ثم يفصل الأمر، ويحكي ما هم فيه من عزّة وشقاق!
هذه هي العزة:{أَأُنْزِلَ عَلَيْهِ الذِّكْرُ مِنْ بَيْنِنَا}!
وذلك هو الشقاق:{أَجَعَلَ الْآلِهَةَ إِلَهًا وَاحِدًا}!
وقصة العجب من أن يكون الرسول بشراً قصة قديمة، مكرورة معتادة، قالها كل قوم من أمثالهم وتعلّلوا بها منذ بدء الرسالات، وتكرّر إرسال الرسل من البشر، وظل هؤلاء وأمثالهم مع هذا يكرّرون الاعتراض!