للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ذا سنٍّ فيهم، وقد حضر الموسم، فقال لهم: يا معشر قريش، إنه قد حضر هذا الموسم، وإن وفود العرب ستقدَم عليكم فيه، وقد سمعوا بأمر صاحبكم هذا، فاجمعوا فيه رأياً واحداً، ولا تختلفوا فيكذِّب بعضكم بعضاً، ويردّ قوله م بعضُه بعضاً، قالوا: فأنت يا أبا عبد شمس، فقل وأقمْ لنا رأياً نقول به، قال: بل أنتم، فقولوا أسمعْ، قالوا: نقول: كاهن، قالَ: والله! ما هو بكاهن، لقد رأينا الكُهّان، فما هو بزَمْزَمة الكاهن ولا سجعه (١)، قالوا: فنقول: مجنون، قال: ما هو بمجنون، لقد رأَينا الجنون، وعرفناه، فما هو بخَنْقه (٢)، ولا تَخَالجُه (٣)، ولا وسوسته (٤)، قالوا: فنقول: شاعر، قال: ما هو بشَاعر، لقد عرفنا الشعر، كل رجَزه وهَزجه وقريضه ومقبوطه ومبسوطه (٥)، فما هو بالشعر، قالوا: فنقول: ساحر، قال: ما هو بساجر، لقد رأينا السُّحّار وسحْرهم، فما هو بنفْثهم ولا عقْدهم (٦)، قالوا: فما نقول يا أبا عبد شمس، قالَ: والله! إن لقوله لحلاوةً، وإن أصله لعَذْق (٧)، وإن فَرْعه لجَنَاه (٨)!


= المنذر، وابن أبي حاتم مختصراً: الدر المنثور: ٦: ٢٨٢، والواحدي من غير طريق ابن إسحاق: ٢٩٥ مختصراً.
(١) الزمزمة: كلام خفي لا يفهم، والسجع: أن يكون الكلام المنثور نهايات كنهايات الشعر.
(٢) يريد الاختناق الذي يصيب الجنون.
(٣) التخالج: اختلاع الأعضاء وتحركها من غير إرادة.
(٤) الوسوسة: ما يلقيه الشيطان في نفس الإنسان.
(٥) الرجز والهزج والقريض والمقبوض والمبسوط: أنواع من الشعر.
(٦) إشارة إلى ما كان يفعل الساحر من أن يعقد خيطاً ثم ينفث عليه، ومنه قوله تعالى: {وَمِنْ شَرِّ النَّفَّاثَاتِ فِي الْعُقَدِ (٤)} (الفلق)!
(٧) العَذق: الكثير الشعب والأطراف في الأرض.
(٨) أي فيه تمر يُجنَى.

<<  <  ج: ص:  >  >>