العقائد التي سبقته .. حرص هذا الحرص؛ لأن التوحيد حقيقة أوّليّة كبيرة يقوم عليها هذا الوجود كله، ويشهد بها هذا الوجود شهادة واضحة أكيدة .. ولأن هذا التوحيد في الوقت ذاته قاعدة لا تصلح الحياة البشريّة كلها في أصولها وفروعها إلا إذا قامت عليها!
ونعود إلى مطلع سورة (ص) لنبصر جهالات أحلاس الوثنيّة وعبيد المال (١)، وأنهم بلغوا من بلادة العقل أنهم يقلّدون الملل المنحرفة عن الحق، يتخذونها إماماً في عقيدتهم الإلحادية الشركة ممن حرّفوا كلام الله عن موضعه، وجعلوا للكون آلهة، فلما قيل لهؤلاء الذين يعيشون بعقليّة مستعارة، لا يملكون منها سوّى ترداد ما سممعوا بغير تعقّل قولوا:
"لا إله إلا الله"!
لم تتّسع بلادة عقولهم التقليديّة المستعارة أن يكون إله الخلق إلهاً واحداً، وعجبوا مما قيل لهم تقريراً لوحدانيَّته وتفرده بالإخلاص في التعبّد له، ولهذا قالوا ما قالوا -كما سبق- فأنزل الله تعالى في تسفيه أحلامهم وبيان بلادة عقولهم هذه الآيات، تنعى عليهم ما أهدروه من معالم إنسانيّتهم، وما فضّلهم الله به عن البهائم من نعمة العقل!
هذا، والنبي - صلى الله عليه وسلم - حين سمع مقالتهم، وأدرك مخادعتهم، وأنهم لا يريدون بما طلبوه سواء ولا نصعة، وإنما يريدون تعويق الدعوة عن سيرها، أراد أن يضع أمام عقولهم صورةً واضحةً لحقيقة رسالته في أسلوب بين موجز أشدّ ما يكون إيجاز الإعجاز؛ لأن هذا هو واقع رسالة محمَّد رسول الله - صلى الله عليه وسلم -!
(١) محمَّد رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: ٢: ١٨٣ وما بعدها بتصرف.