إننا نبصر عزيمة النبوّة التي تنزع من عقول هؤلاء حواجز البلادة التي تحجب عنهم ضياء الحق .. فالنبي - صلى الله عليه وسلم - لم يطلب منهم شيئاً أكثر من أن يخرجهم من ظلمات الجهالة العقليّة .. وضلالات الوثنيّة إلى بؤرة الضياء الفكري، والإشراق الروحي، ومنبع الهداية، فهو - صلى الله عليه وسلم - لم يدعهم إلا إلى كلمة واحدة، هي رأس الأمر كله في رسالته التي يدعو إليها؛ لأنه - صلى الله عليه وسلم - لم يتعرّض في موقفه هذا إلى مآثمهم الخلُقية، ولا إلى مفاسدهم الاجتماعيّة، ولا إلى مظاهر الطغيان وعتوّ الاستبداد حيث يعيشون، ولم يسألهم مالهم وثرواتهم، ولا سألهم شرفاً فيهم، فهم أعلم الناس برفعة شرفه وسموّ حسبه .. وإنما عرض عليهم الدعامة العظمى التي تنبثق منها جميع فضائل رسالته .. لتيسير تقتلها والإيمان بها، والهُدى هُدى الله، فلم يقبلوا ما عرضه عليهم، وانصرفوا وهم أشدّ عداوةً له، ولدداً بخصومته، وأضرى سفاهةً، وأشرى أذى، وأخبث طويّةً!
لقد كانت هذه المرحلة من الدعوة مرحلة العزيمة الماضية القويّة التي لا تتزحزح، والصبر الذي لا ينفد، والكفاح الذي لا يتردّد؛ لأنها مرحلة التأسيس للعقيدة، وبناء صرح الرسالة، وإقامة دعائم الدعوة إلى الهُدى والحق، فلو وهنت عزيمة المبلَّغ شيئاً من الوهن، فمالت إلى المهادنة، وتخلّى الصبر المكافح لحظة عنها، وتخفّفت من النضال نَفَساً واحداً لوجد خصومها مداخل إلى تعويقها عن سيرها وعرقلة مسيرتها!
وقد كان النبي - صلى الله عليه وسلم - على أتمّ العلم بهذا كله .. وقد أعد نفسه له ولأكثر منه .. ومن وراء هذا العلم علمه - صلى الله عليه وسلم - بما يملأ قلوب زعماء الوثنيّة من شرور