للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

الطَّائف ومكَّة، كما جزم به أبو بكرٍ الحازميُّ وياقوت، ووقع للقابسيِّ أنَّها الميقات المشهورُ، وكذا ذكره النَّوويُّ (فَأَصَابَ النَّاسَ جُوعٌ، فَأَصَبْنَا إِبِلًا وَغَنَمًا) من المغانم (وَكَانَ النَّبِيُّ ) كائنًا (فِي أُخْرَيَاتِ النَّاسِ) آخرهم ليصونهُم ويحفظهُم؛ إذ لو تقدَّمهم لخيفَ أن يقتطعَ الضَّعيف منهم وكان بالمؤمنين رحيمًا (فَعَجِلُوا) من الجوعِ الَّذي كان بهمْ وذبحوا ما غنموهُ قبل القسمةِ (فَنَصَبُوا القُدُورَ) ووضعوا ما ذَبحوه فيها، وفي رواية الثَّوريِّ: «فأغلوا القدورَ» أي: أوقدوا النَّار تحتها حتَّى غلتْ (فَدُفِعَ) بضم الدال مبنيًّا للمفعول، أي: وصل (إِلَيْهِمُ النَّبِيُّ ) ولأبي ذرٍّ هنا: «إليهم» ومقتضاهُ (١) سقوطُ إليهم الأولى (٢) (فَأَمَرَ) (بِالقُدُورِ) أن تكفأ (فَأُكْفِئَتْ) بضم الهمزة وسكون الكاف.

قال ابنُ فرحون: أي: فأمرَ رجلًا بكفءِ القدورِ لأنَّ أَمَرَ يتعدَّى إلى مفعول به، وإلى الثاني بالباء، ويكون الثَّاني مصدرًا أو (٣) مقدرًا بمصدر، تقول: أمرتُك الخير، وأمرتك بالخير، وتقول: أمرتُك بزيد، ولا تقول: أمرتُك زيدًا لأنَّ التَّقدير: أمرتُك بإكرام (٤) زيدٍ أو بضربِ زيدٍ، فيُحذف المصدر ويُقام المضاف إليه مقامه، وكذلك جاء هنا فلا يجوزُ فأمرَ القدور إلَّا بتقدير مضاف، أي: بكفءِ القدور، فالباء الدَّاخلة على المصدرِ بعد حذفه دخلتْ على القائم مقامه، قال: وهذا الَّذي ظهر لي من التَّقدير ما وقفتُ عليه، لكن وجدتُ القواعد تسوق إليه. انتهى.

وقوله: فأكفئتْ، أي: فقلبتْ وأفرغ ما فيها، أي: من المرق -كما قاله النَّوويُّ- عقوبةً لهم. قال: وأمَّا اللَّحم فلم يتلفوهُ بل يحمل على أنَّه جُمع وردَّ إلى المغنم، ولا يظنُّ أنَّه أمرَ بإتلافه مع نهيهِ عن إضاعةِ المال، وهذا من مالِ الغانمين. وأيضًا فالجنايةُ بطبخهِ لم تقع من جميع مستحقِّي الغنيمة، فإنَّ منهم من لم يطبخْ ومنهم المستحقون للخمس. فإن قيل: إنَّه لم ينقل أنَّهم حملوا اللَّحم إلى المغنمِ، قلنا: ولم ينقلْ أنَّهم أحرقوهُ أو أتلفوهُ، فيجب تأويله على وَفقِ القواعد. انتهى.


(١) في (م): «يقتضيه».
(٢) قوله: «ولأبي ذر … إلى الأولى» ليست في (د).
(٣) في (م): «و».
(٤) في (م): «بإلزام».

<<  <  ج: ص:  >  >>