لا رقيةَ أولى وأنفعُ منهما، كما تقول: لا فتى إلَّا عليٌّ، ولا سيف إلَّا ذو الفقارِ. قال حصينُ بن عبد الرَّحمن:(فَذَكَرْتُهُ) أي: «لا رقيةَ … » إلى آخره (لِسَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ، فَقَالَ: حَدَّثَنَا ابْنُ عَبَّاسٍ، قَالَ رَسُولُ اللهِ ﷺ: عُرِضَتْ) بضم العين مبنيًّا للمفعول (عَلَيَّ الأُمَمُ) والأممُ رفع نائب عن الفاعلِ، وعند التِّرمذيِّ والنَّسائيِّ من طريق عَبْثَر بن القاسمِ -بمهملة فموحدة ثمَّ مثلثة، بوزن جعفر- في روايتهِ عن حصينِ بن عبد الرَّحمنِ أنَّ ذلك كان ليلة الإسراءِ، وهو محمولٌ على القول بتعدُّد الإسراءِ وأنَّه وقع بالمدينةِ غير الَّذي وقع بمكَّة، فعند البزَّار بسندٍ صحيحٍ، قال: أكثرنا الحديث عندَ رسول الله ﷺ ثمَّ عُدنا إليه، قال:«عُرِضتْ عليَّ الأنبياءُ اللَّيلة بأممها»(فَجَعَلَ النَّبِيُّ) بالإفراد (وَالنَّبِيَّانِ) بالتَّثنية (يَمُرُّونَ مَعَهُمُ الرَّهْطُ) ما دون العشرةِ من الرِّجال أو إلى الأربعين (وَالنَّبِيُّ) يمرُّ (لَيْسَ مَعَهُ أَحَدٌ) ممَّن أخبرهم عن الله لعدم إيمانهم (حَتَّى رُفِعَ لِي) براء مضمومة وكسر الفاء (سَوَادٌ عَظِيمٌ) ضدُّ البياضِ، الشَّخصُ يرى من بعدٍ، وفي «الرِّقاق»: «سوادٌ كثيرٌ»[خ¦٦٥٤١] بدل قوله هنا: «عظيمٌ» وأشار به إلى أنَّ المرادَ الجنس لا الواحد، ولأبي ذرٍّ عن الحَمُّويي والمُستملي:«حتَّى وقعَ لي سوادٌ عظيمٌ»«بواو وقاف» مفتوحتين بدل: «الراء والفاء»، والأوَّلُ هو المحفوظُ في جميع طُرقِ هذا الحديث كما قالهُ في «الفتح»(قُلْتُ: مَا هَذَا) السَّواد الَّذي أراهُ؟ (أُمَّتِي هَذِهِ. قِيلَ: هَذَا) ولأبي ذرٍّ عن الكُشميهنيِّ: «بل هذَا (١)» (مُوسَى وَقَوْمُهُ، قِيلَ: انْظُرْ إِلَى الأُفُقِ) فنظرتُ إليه (فَإِذَا سَوَادٌ يَمْلأُ الأُفُقَ، ثُمَّ قِيلَ لِي: انْظُرْ هَهُنَا وَهَهُنَا فِي آفَاقِ السَّمَاءِ) فنظرتُ (فَإِذَا سَوَادٌ قَدْ مَلأَ الأُفُقَ، قِيلَ: هَذِهِ أُمَّتُكَ) المؤمنون (وَيَدْخُلُ الجَنَّةَ مِنْ هَؤُلَاءِ سَبْعُونَ أَلْفًا بِغَيْرِ حِسَابٍ).
فإن قلت: قد ثبتَ أنَّه ﷺ قال: إنَّه يعرفُ أمَّتهُ من بين الأُمم بأنَّهم غرٌّ محجَّلونَ، فكيف ظنَّ هنا أنَّهم أمَّةُ موسى؟ أُجيب بأنَّ الأشخاص الَّتي رآها هنا في الأُفق لا يُدْرِكُ منها إلَّا الكثرةَ من غير تمييزٍ لأعيانهم لبُعدهم، وأمَّا الأُخرى فمحمولةٌ على ما إذا قرُبوا منهُ كما لا يخفى.
(ثُمَّ دَخَلَ)ﷺ حجرتهُ (وَلَمْ يُبَيِّنْ لَهُمْ) لأصحابه مَن السَّبعون ألفًا الدَّاخلونُ الجنَّة بغير حسابٍ (فَأَفَاضَ القَوْمُ) في الحديث، اندفَعوا فيه، وناظرُوا عليه (وَقَالُوا: نَحْنُ الَّذِينَ آمَنَّا بِاللهِ) تعالى (وَاتَّبَعْنَا رَسُولَهُ)ﷺ(فَنَحْنُ) معشر الصَّحابة (هُمْ أَوْ) هم (أَوْلَادُنَا الَّذِينَ