للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

وُلِدُوا فِي الإِسْلَامِ، فَإِنَّا وُلِدْنَا فِي الجَاهِلِيَّةِ، فَبَلَغَ) ذلك القول (النَّبِيَّ فَخَرَجَ) من حجرتهِ (فَقَالَ) الَّذين يدخلون الجنَّة بغيرِ (١) حسابٍ (هُمُ الَّذِينَ لَا يَسْتَرْقُونَ) مُطلقًا، أو لا يسترقُون برُقى الجاهليَّة (وَلَا يَتَطَيَّرُونَ) ولا يتشاءمونَ بالطُّيورِ ونحوها، كما هو عادتُهم قبل الإسلامِ (وَلَا يَكْتَوُونَ) يعتقدون أنَّ الشِّفاء من (٢) الكيِّ كما كان يعتقدُ أهلُ الجاهليَّة (وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ) أي: يفوِّضون إليه تعالى في ترتيب المسبَّبات على الأسبابِ، أو يتركُون الاسترقاء والطِّيَرة والاكتواء، فيكون من باب العامِّ بعد الخاصِّ لأنَّ كلَّ واحدٍ منها صفةٌ خاصَّةٌ من التَّوكل، وهو أعمُّ من ذلك، وقولُ بعضهم: لا يستحقُّ اسم التَّوكُّل إلَّا من لم يُخالط قلبَه خوفُ غيرِ الله حتَّى لو هجم عليه الأسدُ لا ينزعج، وحتَّى لا يسعى في طلب الرِّزق؛ لكون الله ضمنه له. ردَّه الجمهورُ وقالوا: يحصلُ التَّوكلُ بأن يثقَ بوعدِ الله ويوقن بأنَّ قضاءه واقعٌ، ولا يتركُ اتِّباعَ السُّنَّة في اتِّباع الرِّزق ممَّا لابدَّ له منه من مطعمٍ ومشربٍ (٣) وتحرُّزٍ من عدوٍّ بإعداد السِّلاح وإغلاق الباب، لكنَّه مع ذلك لا يطمئنُّ إلى الأسبابِ بقلبهِ بل يعتقدُ أنَّها لا تجلبُ نفعًا ولا تدفعُ ضررًا، بل السَّببُ والمسبَّب فعله، والكلُّ بمشيئته لا إله إلَّا هو، فإذا وقع من المرءِ رُكونٌ إلى السَّبب قدح في توكُّله (فَقَالَ عُكَّاشَةُ بْنُ مِحْصَنٍ) بضم العين المهملة وتشديد الكاف وتخفف، ومِحْصَن: بكسر الميم وسكون الحاء وفتح الصاد المهملتين ثم نون، وكان من أجملِ الرِّجال وممَّن شهد بدرًا: (أَمِنْهُمْ أَنَا يَا رَسُولَ اللهِ؟) بهمزة الاستفهامِ الاستخباريِّ، وفي رواية «الرِّقاق» وغيرها: «ادعُ اللهَ أن يجعلَني منهُم» [خ¦٦٥٤١] وجمع بينهما بأنَّه سألَ الدُّعاء أولًا فدعا له، ثمَّ استفهمَ هل أُجيب (٤) فقال: أمنهم أنا؟ (قَالَ) : (نَعَمْ) أنت منهم (فَقَامَ آخَرُ) قال الخطيبُ: هو سعدُ بن عُبادة (فَقَالَ: أَمِنْهُمْ أَنَا) يا رسول اللهِ؟ (قَالَ) : (سَبَقَكَ بها عُكَّاشَةُ) قال ذلك له حسمًا للمادَّةِ لأنَّه لو قال: نعم لأوشك أن يقول ثالثٌ ورابعٌ وخامسٌ (٥) وهلمَّ جرًّا، وليس كلُّ النَّاس يصلُح لذلك.


(١) في (د): «يدخلون بلا».
(٢) في (م): «في».
(٣) في (د): «وملبس».
(٤) في (م): «أجيبت».
(٥) «وخامس»: ليست في (س).

<<  <  ج: ص:  >  >>