للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:
مسار الصفحة الحالية:

ذلك المدفون، فلمَّا مضت مدَّةٌ على ذلك توصَّل قومٌ من المنافقينَ إلى أن كتبوا في خلالِ ذلك أشياء من السِّحر تُناسب تلك الأشياء من بعضِ الوجوه، ثمَّ بعد موتهِ واطِّلاع النَّاس على تلك الكُتب أوهموا النَّاس أنَّه من عمل سليمان، وأنَّه إنَّما وصل إلى ما وصلَ بسبب هذه الأشياء، وإنَّما أضافوا السِّحر لسُليمان تفخيمًا لشأنهِ وترغيبًا للقوم في قبولِ ذلك، وقيل: إنَّه تعالى لمَّا سخَّر الجنَّ لسُليمان، وكان يُخالطهم ويستفيدُ منهم أسرارًا عجيبةً غلبَ على الظُّنون أنَّه استفاد السِّحر منهم، فقوله تعالى: ﴿وَمَا كَفَرَ سُلَيْمَانُ﴾ [البقرة: ١٠٢] تنزيه (١) له عن الكُفر، وروي أنَّ بعض الأحبار من اليهود قال: ألا تعجبونَ من مُحمَّدٍ يزعم أنَّ سليمان كان نبيًّا، وما كان إلَّا ساحرًا، فأنزل اللهُ هذه الآية. قاله في «اللُّباب».

(وَقَوْلِهِ تَعَالَى) بالجرِّ عطفًا على المجرور السَّابق (﴿وَلَا يُفْلِحُ السَّاحِرُ﴾) أي: هذا الجنس (﴿حَيْثُ أَتَى﴾ [طه: ٦٩]) أينما كان. وقال الرَّاغب: حيثُ عبارة عن مكانٍ مبهمٍ يشرح بالجملةِ الَّتي بعده كقوله تعالى: ﴿وَحَيْثُ مَا كُنتُمْ﴾ [البقرة: ١٤٤] ﴿وَمِنْ حَيْثُ خَرَجْتَ﴾ [البقرة: ١٤٩] (وَقَوْلِهِ) ﷿: (﴿أَفَتَأْتُونَ السِّحْرَ وَأَنتُمْ تُبْصِرُونَ﴾ [الأنبياء: ٣]) أي: أنَّهم كانوا يعتقدون أنَّ الرَّسول لا يكون إلَّا ملكًا، وأنَّ كلَّ من ادَّعى الرِّسالة من البشر وجاءَ بالمعجزةِ فهو ساحرٌ ومعجزته سحرٌ، ولذا قال قائلهم منكرًا على من اتَّبعهُ: أفتأتُون السِّحر، أي: أفتتَّبعونه حتَّى تصيروا كمَن اتَّبع السِّحر وهو يعلمُ أنَّهُ سحرٌ.

(وَقَوْلِهِ) تعالى: (﴿يُخَيَّلُ إِلَيْهِ﴾) إلى مُوسى (﴿مِن سِحْرِهِمْ أَنَّهَا﴾) أي: العصي (﴿تَسْعَى﴾ [طه: ٦٦]) لأنَّهم أودعوها من الزِّئبق ما كانت تتحرَّك بسببهِ وتضطربُ وتمتدُّ بحيث يُخيَّل للنَّاظرين أنَّها تسعى باختيارها، وإنَّما كانت حيلة وكانوا جمًّا غفيرًا وجمعًا كثيرًا، فألقى كلٌّ منهم عصًا وحبلًا حتَّى صار الوادي ملآن حيَّات يركبُ بعضها بعضًا، ولا حجَّة فيها للقائل أنَّ السِّحر تخييلٌ؛ لأنَّها وردت في هذه القصَّة وكان سحرهم كذلك، ولا يلزم منه أنَّ جميعَ أنواع السِّحر تخييلٌ.

(وَقَوْلِهِ) تعالى: (﴿وَمِن شَرِّ النَّفَّاثَاتِ فِي الْعُقَدِ﴾ [الفلق: ٤]) و (النَّفَّاثَاتُ) النِّساء (السَّوَاحِرُ)


(١) في (م) و (د): «تبرئة».

<<  <  ج: ص:  >  >>