للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:
مسار الصفحة الحالية:

﴿بِهِ﴾ أي: بالسِّحر، والتَّقدير وما يضرُّون أحدًا بالسِّحر إلَّا ومعهُ علمُ الله، أو مقرونًا بإذنِ الله، ونحو ذلك.

فإن قلتَ: الإذن حقيقة في الأمر، والله لا يأمرُ بالسِّحر لأنَّه ذمَّهم عليه، ولو أمرهُم به لما جازَ أن يذمَّهم عليه. أجيب بأنَّ المراد منه التَّخلية، يعني إذا سُحر الإنسانُ فإن شاء الله منعهُ منه، وإن شاء خلَّى بينهُ وبين ضرر السِّحر، أو المرادُ إلَّا بعلم اللهِ، ومنه سُمِّي الأذان لأنَّه إعلامٌ بدخول الوقتِ، أو أنَّ الضَّرر الحاصل عند فعل السِّحر إنَّما يحصل بخلقِ الله (﴿وَيَتَعَلَّمُونَ مَا يَضُرُّهُمْ وَلَا يَنفَعُهُمْ﴾) في الآخرةِ لأنَّهم يقصدون الشَّرَّ (﴿وَلَقَدْ عَلِمُواْ﴾) هؤلاء اليهود (﴿لَمَنِ اشْتَرَاهُ مَا لَهُ فِي الآخِرَةِ مِنْ خَلَاقٍ﴾ [البقرة: ١٠٢]) من نصيبٍ، واستُعير لفظُ الشِّراء لوجهين.

أحدُهما: أنَّهم لمَّا نبذوا كتابَ الله وراءَ ظُهورهم وأقبلوا على التَّمسُّك بما تتلو الشَّياطين فكأنَّهم اشتَروا السِّحر بكتابِ الله.

وثانيهما: أنَّ الملكَين إنَّما قصدا بتعليم السِّحر الاحتراز عنه، وهؤلاء أبدلوا ذلك الاحترازَ بالوصولِ إلى منافع الدُّنيا، وسقط في رواية أبي ذرٍّ «﴿وَمَا يُعَلِّمَانِ﴾ … » إلى آخره، وقال بعد قوله: ﴿وَمَارُوتَ﴾ «الآيةَ». وقال في رواية ابنِ عساكرَ: «إلى قولهِ: ﴿مِنْ خَلَاقٍ﴾» واختُلف في المراد بالآية فقيل: إنَّ قولهُ ﴿وَاتَّبَعُواْ﴾ هم اليهود الَّذين كانوا زمن نبيِّنا ، وقيل: هُم الَّذين كانوا في زمنِ سليمان من السَّحرة لأنَّ أكثر اليهود ينكرون نبوَّة سليمان ويعدُّونه من جملة ملوك الدُّنيا، وهؤلاء ربَّما اعتقدوا فيه أنَّه إنَّما وجد الملك العظيم بسبب السِّحر، وقيل: إنَّه يتناولُ الكلَّ وهو أولى، واختُلف في المرادِ بالشَّياطين فقيل: شياطين الإنس، وقيل: هم شياطينُ الإنس والجنِّ، قال السُّديُّ: إنَّ الشَّياطين كانوا يسترقون السَّمع ويضمُّون إلى ما سَمعوا أكاذيبَ يُلقونها إلى الكهنَةِ، فدوَّنوها في الكُتب وعلَّموها النَّاس وفشا ذلك في زمن سُليمان، فقالوا: إنَّ الجنَّ تعلمُ الغيبَ، وكانوا يقولون: هذا علمُ سليمان وما تمَّ ملكُهُ إلَّا بهذا العلم، وبه سخَّر الجنَّ والإنس والطَّير والرِّيح الَّتي تجري بأمره، وأمَّا القائلون بأنَّهم شياطينُ الإنس فقالوا: روي أنَّ سليمان كان قد دفنَ كثيرًا من العلومِ الَّتي خصَّهُ الله بها تحت سريرِ مُلكه خوفًا من أنَّه إن هلك الظَّاهر منها (١) يبقى


(١) قوله: «منها» زيادة من الفتح وتفسير اللباب.

<<  <  ج: ص:  >  >>