للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

وعليه علامة السُّقوط لأبوي الوقتِ وذرٍّ والأَصيليِّ. قال أبو بكرةَ: (فَمَا زَالَ) (يَقولهَا) ألا وقول الزُّور ألا وشهادة الزُّور، فيعود الضَّمير عليها لا غير (حَتَّى قُلْتُ: لَا يَسْكُتُ) وكرَّر «ألَا» تنبيهًا على استقباح الزُّور وكرَّره دون الأوَّلين لأنَّ النَّاس يهونُ عليهم أمرهُ فيظنون أنَّه دون سابقهِ، فهوَّل أمرهُ ونفَّر عنه حين كرَّره، فحصلَ في مبالغة النَّهي عنه ثلاثة أشياء: الجلوس وكان متَّكئًا، واستفتاحه بألا الَّتي تفيدُ تنبيه المخاطبِ وإقباله على سماعهِ، وتكرير ذكرهِ مرَّتين بل في رواية ثلاثًا، ثم أكَّد تأكيدًا رابعًا بقوله: قول الزُّور وشهادة الزُّور، وهما في المعنى واحد، كما مرَّ ذكر ما فيه.

وقد قيل: إنَّه يؤخذ من قولهِ: «ألا أنبِّئكم بأكبر الكبائر» انقسام الذُّنوب إلى كبائر وصغائر وهو قول عامَّة الفقهاء. وقال أبو إسحاق الإسفرايينيُّ: ليس في الذُّنوب صغيرةٌ بل كلُّ ما نهى عنه كبيرة، وهو منقولٌ عن ابن عبَّاس، وحكاه عياض عن المحقِّقين.

وقال إمام الحرمين في «الإرشاد»: المرضي (١) عندنا أنَّ كلَّ ذنبٍ يُعصى الله به كبيرةٌ، فربَّ شيءٍ يعدُّ صغيرةً بالإضافة إلى الأقران (٢)، ولو كان في حقِّ الملك لكان كبيرةً، والربُّ أعظمُ من عُصِي، فكلُّ ذنبٍ بالإضافة إلى مخالفتهِ عظيمٌ، ولكن الذُّنوب وإن عظُمَت فهي متفاوتةٌ في رُتَبها، وظنَّ بعض النَّاس أنَّ الخلاف لفظيٌّ فقال: التَّحقيق أنَّ للكبيرةِ اعتبارين فبالنِّسبة إلى مُقايسة بعضها ببعضٍ فهي تختلفُ قطعًا، وبالنِّسبة إلى الآمر والنَّاهي فكلُّها كبائر. انتهى.

فحقَّق المنقول عن الأشاعرةِ، وبيَّن أنَّه لا يخالفُ ما قاله الجمهور. وقال النَّوويُّ: اختلفوا في ضَبْطِ الكبيرةِ اختلافًا كبيرًا (٣) منتشرًا، فعن ابن عبَّاس: «كلُّ ذنبٍ ختمَه اللهُ بنارٍ، أو غضبٍ، أو لعنةٍ، أو عذابٍ، وقيل: ما أوعدَ الله عليه بنارٍ في الآخرةِ، أو أوجبَ فيه حدًّا في الدُّنيا». انتهى.

وليس قوله: «أكبر الكبائر» على ظاهره من الحصرِ بل «مِنْ» فيه مقدَّرة، فقد ثبتَ في أشياء أُخر أنَّها مِن أكبرِ الكبائر، كقتلِ النَّفس، والزِّنا بحليلة الجارِ، واليمين الغموس، وسوءُ الظَّنِّ بالله.


(١) في (س): «والمرضي».
(٢) في (س): «الأفراد».
(٣) في (د): «كثيرًا».

<<  <  ج: ص:  >  >>