للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

بضم الجيم وسكون الحاء المهملة (وَاحِدٍ مَرَّتَيْنِ) وقوله: «يلدغ» بالرَّفع على صيغةِ الخبر، ومعناه الأمرُ، أي: ليكن المؤمن حازمًا حذرًا لا يؤتى من ناحيةِ الغفلةِ، فيُخدع مرَّة بعد أُخرى، وقد يكون ذلك في أمرِ الدِّين، كما يكون في أمر الدُّنيا وهو أَوْلَاهُما بالحذرِ، وروي بكسر الغين بلفظ النَّهي، فيتحقَّق فيه معنى النَّهي على هذه الرِّواية، قاله الخطابيُّ. قال السَّفاقِسيُّ -بعد ذكره له-: وكذا قرأناه. انتهى. أي: لا يُخْدَعَنَّ المؤمن ولا يُؤْتَيَنَّ من ناحيةِ الغفلةِ فيقعُ في مكروهٍ، لكن قال التُّوربشتيُّ: أرى أنَّ الحديثَ لم يبلغِ الخطابيَّ على ما كان عليه، وهو مشهورٌ عند أهل السِّير، وذلك أنَّه منَّ على أبي عزَّةَ الشَّاعر الجمحيِّ، وشرط عليه أن لا يجلب عليه، فلما بلغَ مأمنه عادَ إلى ما كان، فأُسِر مرَّة أُخرى فأمر بضربِ عنقهِ، وكلَّمه بعض النَّاس في المَنِّ عليه فقال: «لا يلدغُ المؤمن … » (١) الحديث.

ونقل النَّوويُّ عن القاضِي عياض هذه القصَّة وقال: سبب هذا الحديث معروفٌ، وهو أنَّه أَسَر أبا عزَّة الشَّاعر يومَ بدرٍ، فمَنَّ عليه وعاهدَهُ أن لا يُحَرِّضَ عليه ولا يهجوهُ، فأطلقَه فلحقَ بقومه، ثمَّ رجع إلى التَّحريض والهجاء، ثم أُسر يوم أحد فسأله المنَّ فقال : «لا يلدغُ المؤمن» الحديث، وهذا السَّبب يضعِّف الوجه الثَّاني.

وأجاب في «شرح المشكاة»: بأنَّه يوجَّه بأن يكون لمَّا رأى من نفسه الزَّكيَّة الكريمةِ الميل إلى الحلم والعفوِ عنه جرَّد منها مؤمنًا كاملًا حازمًا ذا شهامةٍ، ونهاه عن ذلك، يعني ليس من شيمةِ المؤمن الحازم الَّذي يغضبُ لله ويذبُّ عن دينِ الله أن ينخدعَ من مثل هذا الغادرِ المتمرِّد مرَّةً بعد أخرى، فانته عن حديثِ الحلمِ وامضِ لشأنك (٢) في الانتقامِ منه، والانتصار من عدوِّ الله، فإنَّ مقامَ الغضبِ لله يأبى الحلم والعفوَ، ومن أوصافهِ ، أنَّه كان لا ينتقمُ لنفسه إلَّا أن تُنْتهك حرمةُ الله فينتقمَ لها، وقد ظهرَ من هذا أنَّ الحلم مطلقًا غير محمودٍ، كما أنَّ الحَِرَدَ (٣) كذلك (٤)،


(١) في (د) زيادة: «من جحر».
(٢) في (ب): «لشأنه».
(٣) في (د): «الحلم».
(٤) في (د): «أول»، وفي (ع): «أما».

<<  <  ج: ص:  >  >>