للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

فمقام التَّحلُّم (١) مع المؤمنين مندوبٌ إليه مع الأولياء، والغلظة مع الأعداء. قال تعالى في وصف الصَّحابة: ﴿أَشِدَّاء عَلَى الْكُفَّارِ رُحَمَاء بَيْنَهُمْ﴾ [الفتح: ٢٩] فظهرَ من هذا أنَّ القول بالنَّهي أولى، والمقام له أَدْعى، وسلوكُ ما ذهبَ إليه أبو سليمان الخطَّابيُّ أوضحُ وأهدَى وأحقُّ أن يتَّبعَ وأَحرى، وهذا الكلام منه وأول (٢) ما قاله لأبي عزَّة المذكور، وأمَّا قول السَّفاقِسيُّ: وهذا مثلٌ قديم تمثَّل به إذ كان كثيرًا ما يتمثَّل بالأمثالِ القديمة، وأصل ذلك أنَّ رجلًا أدخلَ يده في جحرٍ لصيدٍ أو غيره (٣)، فلدغتْه حيَّةٌ في يدهِ فضربتْه العربُ مثلًا، فقالوا: لا يدخلُ الرَّجل يدَه في جحرٍ فيُلدغ منه مرَّة ثانية (٤). فتعقَّبه في «المصابيح»: بأنَّه إذا كان المثل العربيُّ على الصُّورة الَّتي حكاها، فالنَّبيُّ لم يوردْه كذلك حتَّى يقال: إنَّه تمثَّل به. نعم، أورد كلامًا بمعناه، وانظرْ فرق ما بين كلامهِ وبين لفظ المثل المذكور، فطلاوةُ البلاغةِ على لفظهِ وحلاوةُ العبارةِ فيه باديةٌ يدركُها ذو الذَّوق السَّليم عليه أفضل صلاة (٥) الله وأزكى التَّسليم.

تنبيهٌ: قال شيخُنا في «الأحاديثِ المشتهرة» وسبقه إلى الإشارةِ لنحوه شيخه في «فتح الباري»: حديث «لا يلدغُ المؤمن من جُحر واحدٍ مرَّتين» أخرجه الشَّيخان وأبو داود وابن ماجه والعسكريُّ كلُّهم من حديث عُقيل، عن الزُّهريِّ، عن سعيد بن المسيَّب، عن أبي هريرة، به، مرفوعًا. لكن ليس عند ابن ماجه والعسكريِّ «واحد» (٦)، وهو عند مسلم أيضًا من طريقِ ابن أخي ابن شهابٍ الزُّهريِّ، عن عمِّه به (٧) مثله. وتابعهما سعيدُ بن عبد العزيز: أنَّ هشام بن عبد الملك


(١) في (د): «لغيره».
(٢) في (ص): «أخرى».
(٣) في (د): «صلوات».
(٤)
(٥)
(٦) في (د): «أحمد».
(٧) «به»: ليست في (د).

<<  <  ج: ص:  >  >>