للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

عدنان، كان في إبلٍ لمضر فقصَّر، فضربَه مُضر على يدهِ فأوجعهُ، فقال: يا يداهُ يا يداهُ، وكان حسنَ الصَّوت، فأسرعتِ الإبلُ لَمَّا سمعته في السَّير، فكان ذلك مبدأ الحُدَاء، رواه ابنُ سعدٍ بسندٍ صحيحٍ عن طاوس مرسلًا، وأورده البزَّار موصولًا عن ابن عبَّاس. دخلَ حديثُ بعضهم في بعضٍ، ويلحقُ به غناءُ الحجيجِ المشوِّق للحجِّ بذكر الكعبةِ البيت الحرام وغيرها من المشاعرِ العظام، وما يحرِّضُ أهل الجهادِ على القتال (١)، ومنه غناءُ المرأة لتسكيت الولد في المهد (وَ) بيان (مَا يُكْرَهُ) إنشادُه (مِنْهُ) من الشِّعرِ، والجائز من الشِّعر ما لم يكثر منه في المسجدِ، وخلا عن الهجو، وعن الإغراقِ في المدحِ، والكذب المحضِ، فالتَّغزُّل بمعيَّنٍ لا يسوغُ.

(وَقَوْلِهِ تَعَالَى) بالجرِّ عطفًا على السَّابق: (﴿وَالشُّعَرَاء﴾) مبتدأ خبرُه (﴿يَتَّبِعُهُمُ الْغَاوُونَ﴾) أي: لا يتبعُهم على باطلهِم وكذبهِم، وتمزيقِ الأعراضِ، والقَدح في الأنسابِ، ومدح من لا يستحقُّ المدح والهجاء، ولا يستحسنُ ذلك منهم إلَّا الغاوون، أي: السُّفهاء، أو الرَّاوون، أو الشَّياطين، أو المشركون، وسمَّى الثَّعلبيُّ من شعراء المشركين: عبدَ الله بن الزِّبَعْري (٢)، وهُبيرةَ بن أبي وَهْبٍ، ومُسَافعَ بن عبد مناف وأبا عزة (٣) عَمرو، وأميَّة بنَ أبي الصَّلت. قال الزَّجَّاج: إذا مدحَ أو هجا شاعرٌ بما لا يكون، وأحبَّ ذلك قومٌ وتابعوه، فهم الغاوون (﴿أَلَمْ تَرَ﴾) ولأبي ذرٍّ: «وقولهِ: ﴿أَلَمْ تَرَ﴾» (٤) (﴿أَنَّهُمْ فِي كُلِّ وَادٍ﴾) من الكلام (﴿يَهِيمُونَ﴾) خبر ﴿أَنَّ﴾ أي: في كلِّ فنٍّ من الكذبِ يتحدَّثون، أو في كلِّ لغوٍ وباطلٍ يخوضون، كما يأتي قريبًا عن ابن عبَّاس إن شاء الله تعالى، والهائم الذَّاهب على وجههِ لا مقصدَ له، وهو تمثيلٌ لذهابهم في كلِّ شعبٍ من القولِ، واعتسافِهم حتَّى يفضِّلوا أجبنَ النَّاس على عنترةَ، وأبخلهم على حاتمٍ. وعن الفرزدق أنَّ سليمانَ بنَ عبد الملك سمعَ قوله:

فَبِتْنَ بِجَانبَيَّ مُصَرَّعَاتٍ … وَبِتُّ أَفُضُّ أَغْلَاقَ الخِتَامِ


(١) في (ع): «القتال على الجهاد».
(٢) في (د): «الزعبري».
(٣) قوله: «عبد مناف وأبا عزة» زيادة من مصادر المصنف.
(٤) قوله: «ولأبي ذر وقوله ألم تر»: ليس في (د).

<<  <  ج: ص:  >  >>