للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

قلت: كيف ساغ جعل (١) أحد الأوصاف الثَّلاثة مُغيِّرًا، على صيغة الفاعل، والمُغيِّر (٢) إنَّما هو الشَّيء النَّجس المخالط للماء، أجيب بأنَّ المُغيَّر في الحقيقة هو الماء، ولكن تغييره لمَّا كان لم يُعلَم إلَّا من جهة أحد أوصافه الثَّلاثة صار هو المُغيِّر (٣)، فهو من باب ذكر السَّبب وإرادة المُسبَّب، ومُقتضى قول الزُّهريِّ: أنَّه لا فرق بين القليل والكثير، وإليه ذهب جماعةٌ من العلماء، وتعقَّبه أبو عُبَيْدٍ في كتاب «الطَّهور» له بأنَّه يلزم منه أنَّ من بال في إبريقٍ ولم يغيِّر للماء وصفًا أنَّه يجوز له التَّطهير به، وهو مُستبشَعٌ (٤)، ومذهب الشَّافعيِّ وأحمد التَّفريق (٥) بالقلَّتين، فما (٦) كان دونهما تنجَّس بملاقاة النَّجاسة، وإن لم يظهر فيه (٧) تغيُّرٌ لمفهوم حديث القلَّتين «إذا بلغ الماء قلَّتين لم يحمل الخبث» صحَّحه ابن حبَّان وغيره، وفي روايةٍ لأبي داود (٨) وغيره بإسنادٍ صحيحٍ: «فإنَّه لا ينجس» وهو المُراد بقوله: «لم يحمل الخبث» أي: يدفع النَّجس ولا يقبله، وهو مُخصِّصٌ لمنطوق حديث (٩): «الماء لا ينجِّسه شيءٌ»، وإنَّما لم يخرِّج المؤلِّف حديث القلَّتين للاختلاف الواقع في إسناده، لكن رواته ثقاتٌ، وصحَّحه جماعةٌ من الأئمَّة إلَّا أنَّ مقدار القلَّتين من الحديث لم يثبت، وحينئذٍ فيكون مُجمَلًا، لكنَّ الظَّاهر أنَّ الشارع إنَّما ترك تحديدهما توسُّعًا، وإلَّا فليس بخافٍ أنَّه (١٠) ما خاطب أصحابه إلَّا بما يفهمون، وحينئذٍ فينتفي الإجمال لكن لعدم التَّحديد وقع بين (١١) السَّلف في مقدارهما خلفٌ، واعتبره


(١) في (م): «كون».
(٢) في (ص): «والمُعتبَر».
(٣) في (م): «صار كالمغيِّر».
(٤) في (م): «مستشنع». وفي (ج): «ممتنعٌ».
(٥) في (ص): «بالتَّفريق».
(٦) في (ص): «ممَّا».
(٧) «فيه»: سقط من (د).
(٨) في (م): «ذَرٍّ»، وليس بصحيحٍ.
(٩) قوله: «بإسنادٍ صحيحٍ: فإنَّه لا ينجس … وهو مُخصِّصٌ لمنطوق حديث» سقط من (ص).
(١٠) في (ص) و (م): «خافٍ أنَّه».
(١١) في (ص): «من».

<<  <  ج: ص:  >  >>