للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

وَحُمِّلْتُ زَفْرَاتِ الضُّحَى فَأَطَقْتُهَا … وَمَا لِي بِزَفْرَاتِ العَشِيِّ يَدَانِ

بتسكين الفاء، والشَّهوة مصدرٌ يراد به اسم المفعول، أي: المُشتهيات، فهو من باب رجلٌ عدْلٌ، حيث جُعِلَتْ نفسَ المصدر مبالغةً، والشَّهوة ميلُ النَّفس إلى الشَّيء، فجعل الأعيان الَّتي ذكرها شهوات مبالغة في كونها مُشْتهاةً، وكأنَّه أرادَ تخسيسها (١) بتسميتهَا شهوات؛ إذ الشَّهوة مُسْترذلة عند الحكماءِ مذمومٌ من اتَّبعها شاهدٌ على نفسهِ بالبهيميَّة، فكأنَّ المقصود من ذكرِ هذا اللَّفظ التَّنفير عنها، ولفظ «النَّاس» عامٌّ دخله حرف التَّعريف فيفيدُ (٢) الاستغراق، فظاهرُ اللَّفظ يقتضي أنَّ هذا المعنى حاصلٌ لجميع النَّاس، والعقل أيضًا يدلُّ عليه؛ لأنَّ كلَّ ما كان لذيذًا ونافعًا فهو محبوبٌ ومطلوبٌ لذاتهِ، والمنافعُ قسمان: جسمانيٌّ وروحانيٌّ، فالجسمانيُّ حاصلٌ لكلِّ أحدٍ في أوَّل الأمر، فلا جرمَ كان الغالب على الخلقِ هو الميل الشَّديد إلى اللَّذات الجسمانيَّة (﴿مِنَ النِّسَاء﴾) والإماءُ داخلةٌ فيها (﴿وَالْبَنِينَ﴾) جمع ابن، وقد يقعُ في غير هذا الموضع على الذُّكور والإناث، وهنا أُريد الذُّكور؛ لأنَّهم المشتهون في الطِّباع والمُعَدُّون في الدِّفاع، وقدَّم النِّساء لأنَّ الالتذاذ بهنَّ أكثرُ، والاستئناس بهنَّ أتمُّ، والفتنة بهنَّ أشدُّ، ولله تعالى في إيجاد حبِّ الزَّوجة والولد في قلب الإنسان حكمةٌ بالغةٌ لولا هذا الحبُّ لَمَا حصل التَّوالد والتَّناسل (﴿وَالْقَنَاطِيرِ﴾) جمع: قِنطار، وهو المالُ الكثيرُ، أو سبعون ألف دينارٍ، أو سبعة آلاف دينارٍ، أو مئة وعشرون رطلًا، أو مئة رطلٍ، أو ألفٌ ومئتا أوقية (﴿الْمُقَنطَرَةِ﴾) مفعللة من القنطارِ، وهو للتَّأكيد كقولهم: ألوفٌ مؤلَّفة، ودراهم مدرهمةٌ. وقال قتادة: الكثير بعضها فوق بعضٍ. وقال: وقيل: المدفونة (﴿مِنَ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ﴾) وإنَّما كانا محبوبين لأنَّهما ثمنُ الأشياء فمالكهما كالمالكِ لجميعِ الأشياء (﴿وَالْخَيْلِ الْمُسَوَّمَةِ﴾) المعلمة أو (٣) المرعيَّة من أَسَامَ الدَّابَّةَ وسوَّمها (﴿وَالأَنْعَامِ﴾) جمع: نَعَم، وهي الإبلُ والبقر والغنم (﴿وَالْحَرْثِ﴾) مصدرٌ واقعٌ موقع المفعول به، فلذلك وُحِّد (٤) ولم يُجمع كما جُمعت أخواته (﴿ذَلِكَ﴾) المذكورُ (﴿مَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا﴾ [آل عمران: ١٤]) يتمتَّع به في الدُّنيا، وقد تضمَّنت هذه الآيةُ الكريمةُ أنواعًا من الفصاحة والبلاغة منها: الإتيانُ بها مجملةً،


(١) في (د) و (ع): «تجنبها».
(٢) في (د): «ليفيد».
(٣) في (ص): «و»، و «أو»: ليست في (ع).
(٤) في (د): «وحده».

<<  <  ج: ص:  >  >>