للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

ومنها: جعله لها نفس الشَّهوات مبالغة في التَّنفير عنها كما مرَّ، ومنها: البداءةُ بالأهمِّ؛ فذكر أوَّلًا النِّساء؛ لأنهنَّ أكثر امتزاجًا ومخالطةً بالإنسان، وهُنَّ حبائل الشَّيطان، وقيل: فيهنَّ فتنتان، وفي البنين فتنةٌ واحدةٌ؛ لأنهُنَّ يقطعنَ الأرحام والصِّلات بين الأهل غالبًا، وهُنَّ السَّبب في جمع المال من حرامٍ وحلالٍ غالبًا (١)، والأولاد (٢) يُجمع لأجلهم المال فلذلك ثنَّى بهم، ولأنَّهم فروع منهُنَّ، وثمراتٌ نشأت عنهنَّ، وفي كلامِهم: المرء مفتونٌ بولده، وقُدِّمت على الأموال؛ لأنَّها أحبُّ إلى المرءِ (٣) من ماله، وأمَّا تقديمُ المال على الولدِ في بعضِ المواضع فإنَّما ذلك في سياق امتنانٍ وإنعامٍ أو نصرةٍ ومعاونةٍ؛ لأنَّ الرِّجال تستمال بالأموالِ، ثمَّ ذكر تمام اللَّذَّة وهو المركوب البهيُّ من بين سائر الحيواناتِ، ثمَّ أتى بما يحصل به ﴿حِينَ تُرِيحُونَ وَحِينَ تَسْرَحُونَ﴾ [النحل: ٦] كما تشهدُ به الآية الأُخرى، ثمَّ ذكر ما به قوامهم وحياة بُنْيَتهم وهو الزَّرع والثِّمار، ومنها الإتيان بلفظٍ يُشعر بشدَّة حبِّ هذه الأشياء بقوله: ﴿زُيِّنَ﴾ والزِّينة محبوبةٌ في الطِّباع، ومنها التَّجنيس في ﴿وَالْقَنَاطِيرِ الْمُقَنطَرَةِ﴾ ومنها الجمع بين ما يشبه المطابقةَ في قوله: ﴿الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ﴾ لأنَّهما صارا متقابلين في غالبِ العُرف، وغير ذلك، وسقط لأبي ذرٍّ قوله «﴿وَالْقَنَاطِيرِ﴾ … » إلى آخره.

(قَالَ) ولأبي ذرٍّ: «وقَالَ» (عُمَرُ) بن الخطَّاب في الآية المذكورة: (اللَّهُمَّ إِنَّا لَا نَسْتَطِيعُ إِلَّا أَنْ نَفْرَحَ بِمَا زَيَّنْتَهُ) بإثبات الضَّمير، ولأبي ذرٍّ: «بما زيَّنتَ» (لَنَا) في آية ﴿زُيِّنَ لِلنَّاسِ حُبُّ الشَّهَوَاتِ﴾ [آل عمران: ١٤] ثمَّ لمّا رأى أنَّ فتنةَ المال مُسلَّطةٌ على من فتحَه الله عليه لتزيينِ الله تعالى له، دَعا الله تعالى بقولهِ: (اللَّهُمَّ إِنِّي أَسْأَلُكَ أَنْ أُنْفِقَهُ فِي حَقِّهِ) لأنَّ من أخذَ المال من حقِّه ووضعه في حقِّه فقد سَلِم من فتنتهِ.

وهذا الأثر وصله الدَّارقطنيُّ في «غرائب مالك» من طريقِ إسماعيلَ بنِ أبي أُويس، عن مالك، عن يحيى بن سعيدٍ هو الأنصاريُّ: «أنَّ عمر بن الخطَّاب أُتي بمالٍ من الشَّرق يقال له: نفل كسرى، فأُمِر به فصُبَّ وغُطِّيَ، ثمَّ دعا النَّاس فاجتمعوا، ثمَّ أمر به فكُشف عنه، فإذا حليٌّ كثيرٌ وجوهرٌ ومتاعٌ، فبكى عمر وحمد الله ﷿ فقالوا له: ما يبكيكَ يا أمير المؤمنين هذه غنائمُ غَنِمَها الله لنا، ونزعَها من أهلها؟ فقال: ما فتحَ اللهُ من هذا على قومٍ إلَّا سفكوا دِماءهم


(١) «وهنّ السبب من جمع المال من حرام وحلال غالبًا»: ليست في (د).
(٢) في (ل): «والأوَّل».
(٣) في (ج) و (ل): «للمرء».

<<  <  ج: ص:  >  >>