للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

الرَّجاء إلى المكر، والخوفُ إلى القنوطِ، وكلٌّ منهما مذمومٌ، وقد روِّينا عن أبي عليٍّ الرُّوْذبارِي، أنَّه قال: الخوف والرَّجاء كجناحي الطَّائر إذا استويا استوى الطَّير وتمَّ طيرانه، وإذا نقص أحدهما وقع فيه النَّقص، وإذا ذهبا صارَ الطَّائر في حدِّ الموت. انتهى. فمتى استقام العبدُ في أحوالهِ استقامَ في سلوكهِ في طاعاتِهِ (١) باعتدالِ رجائهِ وخوفهِ، ومتى قصَّر في طاعاتهِ ضَعُف رجاؤه ودنا منه الاختلال، ومتى قلَّ خوفُه وحذرُه من مفسداتِ الأعمال تعرَّض للهلاكِ، ومتى عُدِم الرَّجاء والخوفُ تمكَّن منه عدوُّه وهواهُ وبَعُد عن حزبِ مَنْ حفظَهُ ربُّه وتولَّاه (٢)، وبذلك عُلم وجه الشَّبه (٣) بينهما وبين جناحَي الطَّائر.

وقال بعضُهم: المؤمنُ يتردَّد بين الخوف والرَّجاء لخفاء السَّابقة، وذلك لأنَّه تارةً ينظر إلى عيوبِ نفسه فيخاف، وتارةً ينظرُ إلى كرم الله فيرجو (٤)، وقيل: يجبُ أن يزيدَ خوف العالم على رجائهِ؛ لأنَّ خوفَه يزجرهُ عن المناهِي ويحملُه على الأوامرِ، ويجبُ أن يعتدلَ خوف العارفِ ورجاؤه؛ لأنَّ عينَه ممتدَّةٌ إلى السَّابقة، ورجاء المحبِّ يجبُ أن يزيدَ على خوفهِ؛ لأنَّه على بساطِ الجمال والرَّجاء بالمدِّ، وهو تعليقُ القلبِ بمحبوبٍ من جلبِ نفعٍ أو دفع ضررٍ (٥) سيحصلُ في المستقبل، وذلك بأن يغلب على القلب الظَّنُّ بحصولهِ في المستقبل (٦)، والفرقُ بينه وبين التَّمني


(١) في (د) و (ل) هنا والموضع التالي: «طاعته».
(٢) في (د): «من حفظه ومولاه».
(٣) في (د): «التشبيه».
(٤) في (د): «فيرجوه».
(٥) في (د): «ضرّ».
(٦) «وذلك بأن يغلب على القلب الظن بحصوله في المستقبل»: ليست في (د).

<<  <  ج: ص:  >  >>