للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

الخير من عمل القلب، وقوله: «فلم يعملها» ظاهره حصول الحسنة بمجرَّد التَّرك لمانع أو لا، ويتَّجه أن يتفاوتَ عظم الحسنةِ بحسبِ المانع (١)، فإنْ كان خارجيًّا وقَصْدُ الَّذي همَّ مستمرٌّ فهي عظيمة القدر، وإن كان التَّرك من قِبل الَّذي همَّ (٢) فهي دون ذلك، فإن قَصَدَ الإعراضَ عنها جملةً، فالظَّاهر أن لا يُكتبَ له حسنةٌ أصلًا لا سيَّما إن عملَ بخلافها كأن همَّ أن يتصدَّق بدرهمٍ مثلًا فصرفه بعينه في معصيةٍ، فإن قلت: كيف اطَّلع (٣) المَلَك على قلبِ الَّذي يهمُّ به العبد؟ أُجيب بأنَّ الله تعالى يُطلعه على ذلك أو يخلق له علمًا يُدرك به ذلك، ويدلُّ للأوَّل حديث أبي عمران الجونيِّ -عند ابن أبي الدُّنيا- قال: «ينادي المَلَكَ: اكتب لفلانٍ كذا وكذا، فيقول: يا ربِّ إنَّه لم يعملْه، فيقول: إنَّه نواه» وقيل: بل يجدُ الملَكُ للهمِّ بالحسنة رائحة طيِّبةً، والسيِّئة رائحة خبيثةً (فَإِنْ هُوَ هَمَّ بِهَا) بالحسنة، وسقط لفظ «هو» لأبي ذرٍّ (فَعَمِلَهَا) بكسر الميم، ولأبي ذرٍّ: «وعملها» بالواو بدل الفاء (كَتَبَهَا اللهُ) قدَّرها، أو أمرَ الحفظة بكتابتها (لَهُ) للَّذي عملها (٤) (عِنْدَهُ) تعالى اعتناءً بصاحبها وتشريفًا له (عَشْرَ حَسَنَاتٍ) قال تعالى: ﴿مَن جَاء بِالْحَسَنَةِ فَلَهُ عَشْرُ أَمْثَالِهَا﴾ [الأنعام: ١٦٠] وهذا أقلُّ (٥) ما وعدَ به من الأضعاف (إِلَى سَبْعِ مِئَةِ ضِعْفٍ) بكسر الضاد، مِثْلٍ (إِلَى أَضْعَافٍ كَثِيرَةٍ) بحسب الزِّيادةِ في الإخلاصِ وصِدق العزمِ، وحضور القلب، وتعدِّي النَّفع. قال في «الكشَّاف»: ومضاعفةُ الحسناتِ فضلٌ، ومكافأة (٦) السَّيِّئات (٧) عدلٌ، ونقل صاحب «فتوح الغيب» عن الزَّجَّاج أنَّه قال: المعنى غامضٌ؛ لأنَّ المجازاةَ من الله تعالى على الحسنةِ بدخول الجنَّة شيءٌ لا يُبْلَغُ وصفُ مقداره، فإذا قال: عشر أمثالها، أو سبع مئة، أو أضعافًا كثيرةً، فمعناه: أنَّ جزاءَ الله تعالى على التَّضعيف للمِثل الواحد الَّذي هو النِّهاية في التَّقدير وفي


(١) في (ع): «الواقع».
(٢) في (د): «يهم».
(٣) في (ع) و (د): «يطلع».
(٤) في (د): «للذي همَّ بها».
(٥) في (ص): «أوَّل».
(٦) في (ع): «مكافآت».
(٧) في (ص): «السَّيِّئة».

<<  <  ج: ص:  >  >>