للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

النُّفوس. قال الطِّيبيُّ: فعلى هذا لا يتصوَّر في الحسنات إلَّا الفضل (وَمَنْ هَمَّ بِسَيِّئَةٍ فَلَمْ يَعْمَلْهَا) بفتح الميم، خوفًا من الله تعالى، كما في حديثِ أبي هريرة من طريق الأعرج الآتي إن شاء الله تعالى في «التَّوحيد» [خ¦٧٥٠١] (كَتَبَهَا اللهُ) ﷿ (١)، قدَّرها، أو أمر الحفظة بكتابتها (لَهُ) للَّذي همَّ بها (عِنْدَهُ حَسَنَةً كَامِلَةً) غير ناقصةٍ ولا مضاعفةٍ إلى العشر.

وحديث ابن عبَّاسٍ هذا مُطلق قُيِّدَ (٢) بحديثِ أبي هُريرة، أو يقال: حسنة مَن ترك بغير استحضار الخوف دون حسنة الآخر، أو يحمل كتابة الحسنة على التَّرك أن يكون التَّارك قد قدِرَ على الفعل ثمَّ تركه؛ لأنَّ الإنسانَ لا يسمَّى تاركًا إلَّا مع القدرة، فإن حالَ بينه وبين حرصهِ على الفعل مانعٌ فلا. وذهبَ القاضي الباقلانيُّ وغيره إلى أنَّ مَن عزمَ على المعصيةِ بقلبه ووطَّن عليها نفسه أنَّه (٣) يأثم، وحمل الأحاديث الواردة في العفو عمَّن (٤) همَّ بسيِّئةٍ ولم يعملْها على الخاطر الَّذي يمرُّ بالقلب ولا يستقرُّ. قال الماورديُّ (٥): وخالفه كثيرٌ من الفقهاء والمحدِّثين والمتكلِّمين، ونقل ذلك عن نصِّ الشَّافعي ويدلُّ له (٦) حديثُ أبي هريرة عند مسلمٍ بلفظ: «فأنا أغفرها له ما لم يعملْها» فإنَّ الظَّاهر أنَّ المراد بالعمل هنا عملُ الجارحةِ (٧) بالمعصية المهموم بها. وتعقَّبه القاضي عيَّاضٌ بأنَّ عامَّة السَّلف على ما قاله ابنُ الباقلانيِّ؛ لاتِّفاقهم على المؤاخذةِ بأعمال القلوبِ، لكنَّهم قالوا: إنَّ العزم على السَّيِّئة يكتب سيِّئةً مجرَّدةً لا السَّيِّئة الَّتي همَّ أن يعملَها كمَن (٨) يأمرُ بتحصيلِ معصيةٍ، ثمَّ لا يفعلها بعد حصولها، فإنَّه يأثمُ بالأمر المذكور لا بالمعصيةِ، وقد تظاهرتْ نصوص الشَّريعة بالمؤاخذةِ على عزمِ القلب المستقرِّ، كقوله تعالى: ﴿إِنَّ الَّذِينَ يُحِبُّونَ أَن تَشِيعَ الْفَاحِشَةُ فِي الَّذِينَ آمَنُوا لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ﴾ [النور: ١٩].


(١) في (ص): زيادة: «عظم».
(٢) في (ص): «مقيَّد».
(٣) «أنَّه»: ليست في (ب).
(٤) في (ع): «على من».
(٥) في (ع): «المازري».
(٦) في (ص): «عليه».
(٧) في (ج): «على الجارحة».
(٨) في (ع): «فمن».

<<  <  ج: ص:  >  >>