للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

والحاصل: أنَّ كثيرًا من العلماء على المؤاخذةِ بالعزم المصمّم، وافترقَ هؤلاء فمنهم مَن قال: يُعاقب عليه في الدُّنيا بنحو الهمِّ والغمِّ، ومنهم مَن قال: يوم القيامة لكن بالعتابِ لا بالعقاب، واستثنى قومٌ ممَّن قال بعدم المؤاخذة (١) على الهمِّ بالمعصيةِ ما وقع بحرمِ مكَّة ولو لم يصمِّم؛ لقوله تعالى: ﴿وَمَن يُرِدْ فِيهِ بِإِلْحَادٍ بِظُلْمٍ نُذِقْهُ مِنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ﴾ [الحج: ٢٥] لأنَّ الحَرَمَ يجبُ اعتقاد تعظيمه، فمَن همَّ بالمعصية فيه فقد (٢) خالفَ الواجب بانتهاك حرمتهِ، وانتهاك حرمة الحرمِ بالمعصية يستلزمُ انتهاكَ حرمة الله على ما لا يخفَى، فصارتِ المعصية في الحرم أشدَّ من المعصيةِ في غيره، ومَن همَّ بالمعصيةِ قاصدًا الاستخفافَ بالحرم عصى، ومَن همَّ بمعصيةِ الله قاصدًا الاستخفافَ بالله تعالى كفرَ، وإنَّما العفو عند الهمِّ بالمعصية مع الذُّهول عن قصدِ الاستخفافِ. انتهى مُلخَّصًا من «الفتح».

(فَإِنْ هُوَ هَمَّ بِهَا) أي: بالسَّيِّئة، وثبت لفظ: «هو» لأبي ذرٍّ عن الحَمُّويي والمُستملي (فَعَمِلَهَا) بكسر الميم (كَتَبَهَا اللهُ لَهُ) للَّذي عملها (سَيِّئَةً وَاحِدَةً) من غير تضعيفٍ، ولمسلمٍ من حديث أبي ذرٍّ: «فجزاؤه بمثلها أو أغفر (٣) له» وله في آخر حديث ابن عبَّاسٍ: «أو يمحها»، أي: يمحها بالفضل، أو (٤) بالتَّوبة، أو بالاستغفار، أو بعمل الحسنةِ الَّتي تُكفِّر السَّيِّئة، واستثنى بعضُهم وقوعَ المعصيةِ في حرم مكَّة لتعظيمِها، والجمهورُ على التَّعميم في الأزمنةِ والأمكنة لكن قد تتفاوتُ بالعِظَم.

وفي الحديث بيان سَعَة فضل الله على هذه الأمَّة؛ إذ لولا ذلك كاد أن لا يدخلَ أحدٌ الجنَّة؛ لأنَّ عمل (٥) العبادِ للسَّيِّئات أكثر من عملِهم (٦) للحسناتِ.

والحديثُ أخرجه مسلمٌ في «الإيمان»، والنَّسائيُّ في «القنوت والرِّقاق».


(١) في (ص) و (د): «مؤاخذته».
(٢) «فقد»: ليست في (س).
(٣) في (س): «يغفر».
(٤) في (ص) و (ع): «و».
(٥) في (ص): «أعمال».
(٦) في (ص): «عملها».

<<  <  ج: ص:  >  >>