تنزيهًا؟ المشهور الثَّاني، وإن قصد الرِّضا بذلك إذا فعله فهو كافرٌ في الحال، وقوله:«كاذبًا متعمِّدًا» يستفادُ منه أنَّ الحالفَ المتعمِّد إن كان مطمئنَّ القلب بالإيمان، وهو كاذبٌ في تعظيمِ ما لا يعتقدُ تعظيمهُ لم يكفرْ، وإن قاله معتقدًا لليمين بتلك الملَّة لكونها حقًّا كفر، وإن قاله لمجرَّد التَّعظيم لها باعتبارِ ما كان قبلَ النَّسخ فلا يكفرُ.
(وَمَنْ قَتَلَ نَفْسَهُ بِشَيْءٍ) ولمسلم: «بحديدَةٍ»(عُذِّبَ بِهِ) بذلك الَّذي قتلَ نفسه به (فِي نَارِ جَهَنَّمَ) قال الشَّيخ تقيُّ الدِّين: وهو من باب مجانسَةِ العقوباتِ الأُخْرويَّة للجناياتِ الدُّنيويَّة، وفيه أنَّ جنايةَ الإنسان على نفسهِ كجنايتهِ على غيرِه في الإثمِ؛ لأنَّ نفسَه ليستْ ملكًا له (١) مطلقًا، بل هي للَّهِ، فلا يتصرَّف فيها إلَّا فيما أَذِنَ فيه (وَلَعْنُ المُؤْمِنِ) بأن يدعوَ عليه باللَّعن (كَقَتْلِهِ) في التَّحريم أو العقابِ، وأبدَى الشَّيخ تقيُّ الدِّين في ذلك سؤالًا، وهو أن يقال: إمَّا أن يكون كقتلهِ في أحكام الدُّنيا، أو في أحكامِ الآخرةِ، لا سبيلَ إلى الأوَّل؛ لأنَّ قتلَه يوجبُ القصاصَ، ولعنُه لا يوجبُ ذلك، وأمَّا أحكامُ الآخرة فإمَّا أن يرادَ التَّساوي في الإثمِ، أو في العقابِ، وكلاهما مشكلٌ؛ لأنَّ الإثمَ يتفاوتُ بتفاوتِ مَفْسَدةِ الفعل، وليس إذهابُ الرُّوح في المفسدةِ كمفسدةِ الأذى باللَّعن، وكذلك العقابُ يتفاوتُ بحسب تفاوتِ الجرائمِ، وقال المازَريُّ -فيما نقله عنه القاضِي عياض-: الظَّاهر من الحديث تشبيههُ في الإثمِ وهو تشبيهٌ واقعٌ؛ لأنَّ اللَّعنة قطعٌ عن الرَّحمة، والموت قطعٌ عن التَّصرُّف.
قال القاضِي عياض: وقيل: لَعْنُه يقتضِي قصدَ إخراجهِ من المسلمين، ومنعَهم منافعَهُ، وتكثيرَ عددِهم به، كما لو قتلهُ، وقيل: لعنهُ يقتضِي قطعَ منافعهِ الأخرويَّة عنه، وبُعْدَه بإجابةِ لعنه، وهو كمن قُتِلَ في الدُّنيا وقُطِعَت عنه منافعُه فيها، وقيل: معناهُ: استواؤهما في التَّحريم.
قال في «المصابيح»: هذا يحتاجُ إلى تخليصٍ ونظرٍ، فأمَّا ما حكاهُ عن المازَرِيِّ من أنَّ الظَّاهر من الحديثِ تشبيههُ في الإثمِ، وكذلك ما حكاهُ من أنَّ معناهُ: استواؤهمَا في التَّحريم، فهذَا يحتملُ أمرين، أحدُهما: أنَّ يقعَ التَّشبيه والاستواء في أصلِ التَّحريم والإثم، والثَّاني: