للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

أن يقعَ في مقدار الإثم، فأمَّا الأوَّل فلا ينبغي أن يحملَ عليه؛ لأنَّ كلَّ معصيةِ قلَّتْ أو عظمَتْ فهي مشابهةٌ ومساويةٌ للقتلِ في أصلِ التَّحريم، ولا يَبقى في الحديثِ كبيرُ فائدةٍ مع أنَّ المفهوم منه تعظيمُ أمر اللَّعنة بتشبيهها بالقتلِ، وأمَّا الثَّاني فقد بيَّنَّا ما فيهِ من الإشكالِ، وهو التَّفاوت في المفسدةِ بين إزهاقِ الرَّوح وبين الأذَى باللَّعنةِ.

وأمَّا ما حكاهُ الإمام المازَريُّ من أنَّ اللَّعنة قطعُ الرَّحمة، والموت قطعُ التَّصرُّف، فالكلامُ عليه من وجهين: أحدهما: أن نقول: اللَّعنة قد تطلقُ على نفسِ الإبعاد الَّذي هو فعلُ الله، وعلى هذا يقعُ فيه التَّشبيه، والثَّاني: أن تطلقَ اللَّعنةُ على فعل اللَّاعن، وهو طلبه لذلك الإبعادِ، فقوله: «لعنهُ الله» مثلًا ليس بقطع عن الرَّحمة بنفسهِ ما لم تتَّصل به إجابة، فيكون حينئذٍ سببًا إلى قطعِ التَّصرُّف، ويكون نظيرُهُ التَّسبُّب إلى القتلِ، غير أنَّهما يفترقان في أنَّ التَّسبُّب إلى القتل بمباشرةِ مقدِّمات تقضِي إلى الموت بمطَّرد العادة، فلو كانتْ مباشرة اللَّعنة مقتضية إلى الإبعادِ الَّذي هو اللَّعن دائمًا؛ لاستوى اللَّعن مع مباشرةِ مقدِّمات القتلِ أو زاد عليه (١)، وبهذا يتبيَّنُ لك الإيرادُ على ما حكاهُ القاضِي من أنَّ لعنهُ له يقتضِي قصدَ إخراجهِ عن جماعةِ المسلمين كما لو قتلَه، فإنَّ قصدَ إخراجهِ لا يستلزمُ إخراجَه، كما تستلزمُ مقدِّمات القتلِ (٢)، وكذلك أيضًا ما حكاه من أنَّ لعنه يقتضِي قطعَ منافعهِ الأُخرويَّة عنه إنَّما يحصلُ ذلك بإجابةِ الدَّعوة، وقد لا يجابُ في كثيرٍ من الأوقاتِ، فلا يحصلُ انقطاعُه عن منافعهِ، كما يحصُلُ بقتلهِ، ولا يستوي القصدُ (٣) إلى القطعِ بطلبِ الإجابةِ مع مباشرةِ مقدِّمات القتلِ المفضيةِ إليه في مُطَّرد العادةِ، والَّذي يُمكن أن يُقَرَّر به ظاهرُ الحديثِ في استوائهمَا في الإثمِ أنَّا نقولُ: لا نسلِّم أنَّ مفسدةَ اللَّعنِ مُجرَّدُ أذاهُ بل فيها مع ذلكَ تعريضُهُ لإجابةِ الدَّعوة فيه بمُوافقةِ ساعَةٍ لا يسألُ الله فيها شيئًا إلَّا أعطاهُ، كما دلَّ عليهِ الحديثُ من قولهِ : «لا تدعُوا على أنفسِكُم، ولَا تدعُوا على أموالِكُم، ولَا تدعُوا على أولادِكُم، لا توافقوا (٤) ساعة» الحديث، وإذا كان عرَّضَه (٥)


(١) في (س): «عليها».
(٢) في (د) و (ص): «مقدماته للقتل».
(٣) في (س) و (ص): «ولا استواء القصد».
(٤) في (ص): «فتوافقوا».
(٥) في (د): «غرضه»، وفي (ص): «وإذا عرض».

<<  <  ج: ص:  >  >>