للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

أبو حيَّان. أحدُهما: أنَّ «إلَّا» جواب القسم؛ لأنَّها في (١) الكلامِ على معنى الحصرِ، فدخلتْ هنا لذلك المعنى كأنَّك قلت: نشدتك بالله لا تفعل شيئًا إلَّا كذا، فحذف الجواب وترك ما يدلُّ عليه، والثَّاني قاله في «البسيط»: أنَّ «إلَّا» أيضًا جوابٌ للقسمِ، لكن على أنَّ الأصل: نشدتُك الله لتفعلنَّ كذا، ثمَّ أوقعوا موقع المضارع الماضي ولم يدخلوا لام التَّوكيد (٢)؛ لأنَّها لا تدخل على الماضي، فجعلوا بدلها إلَّا وحملوها عليها، فتلخَّص أنَّ الاستثناء في هذا التَّركيب مفرَّغ، وقوله: «بكتاب الله» أي: بما تضمَّنه كتابُ الله، أو أنَّ المراد به: حكمُ الله المكتوب على المكلَّفين من الحدودِ والأحكامِ إذ الرَّجم ليس في القرآنِ، ويحتملُ أن يرادَ به: القرآن، وكان ذلك قبل أن تنسخَ آية الرَّجم لفظًا، وإنَّما سألا أن يحكمَ بينهما بحكمِ الله وهما يعلمان أنَّه لا يحكم إلَّا بحكمِ الله؛ ليفصلَ بينهما بالحكم الصَّرف لا بالنَّصائح والتَّرغيب فيما (٣) هو الأرفق بهما، إذ للحاكمِ أن يفعلَ، ولكن برضا الخصمين.

(فَقَامَ خَصْمُهُ -وَكَانَ أَفْقَهَ مِنْهُ-) يحتمل -كما قال الحافظ الزَّين العراقيُّ- أن يكون الرَّاوي كان عارفًا بهما قبلَ أن يتحاكمَا، فوصف الثَّاني بأنَّه أفقه من الأوَّل مطلقًا، أو في هذهِ القصَّة (٤) الخاصَّة، واستدلَّ بحسنِ أدبهِ في استئذانهِ أولًا، وتركِ رفع صوتهِ إن كان الأوَّل رفعه، والخصم في الأوَّل مصدر خصمه يخصمه؛ إذا نازعَه وغالبهُ، ثمَّ أطلق على المخاصمِ وصار اسمًا له، فلذا يُطلق على الواحدِ والاثنين، والأكثر بلفظ واحدٍ، مذكَّرًا كان المخاصم أو مؤنَّثًا؛ لأنَّه بمعنى «ذو» كذا على قولِ البصريِّين في رجلٍ عدلٍ ونحوه، قال تعالى: ﴿وَهَلْ أَتَاكَ نَبَأُ الْخَصْمِ إِذْ تَسَوَّرُوا الْمِحْرَابَ﴾ [ص: ٢١] وربَّما ثنِّي وجُمِع للتَّنبيه على فائدةٍ تراد في الكلامِ نحو: ﴿لَا تَخَفْ خَصْمَانِ﴾ [ص: ٢٢] ونحو ذلك (فَقَالَ): يا رسول الله (اقْضِ بَيْنَنَا بِكِتَابِ اللهِ وَأْذَنْ لِي) أي: في أن أتكلَّم، وفي رواية ابن [أبي] شيبةَ عن سفيان: حتَّى أقول (قَالَ) : (قُلْ. قَالَ: إِنَّ ابْنِي كَانَ عَسِيفًا) بفتح العين وكسر السين المهملتين وبالفاء، أجيرًا (عَلَى هَذَا) أي: عندَه، أو «على» بمعنى اللام، كقولهِ تعالى: ﴿وَإِنْ أَسَأْتُمْ فَلَهَا﴾ [الإسراء: ٧] قال الكِرْمانيُّ وتبعه العينيُّ والبَرْماويُّ: وهذا القول … إلى آخره من


(١) في (ص): «من».
(٢) في (د): «التأكيد».
(٣) في (ص): «بما».
(٤) في (ب) و (س): «القضية».

<<  <  ج: ص:  >  >>