للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:
مسار الصفحة الحالية:

أُكْرِهَ وَقَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالإِيمَانِ﴾ [النحل: ١٠٦] ومن ثمَّ اتُّفق على أنَّه يجوزُ أن يوافق (١) المكرَه على الكفرِ إبقاءً لمُهجتهِ، والأفضلُ والأولى أن يثبتَ المسلمُ على دينهِ ولو أفضَى إلى قتلهِ.

وعند ابنِ عساكرَ في ترجمة عبد الله بنِ حذافة السَّهميِّ أحد الصَّحابة أنَّه أسرته الرُّوم فجاؤوا به إلى ملكِهم، فقال له: تنصَّر وأنا أشركُك في مُلكي وأزوِّجك ابنتِي، فقال له: لو أَعْطيتني جميعَ ما تملك وجميعَ ما تملكه (٢) العرب على أن أرجعَ عن دين محمَّد طرفةَ عين ما فعلتُ، فقال: إذًا أقتلك، قال: أنت وذاك، قال: فأمرَ به فصُلبَ وأمر الرُّماة فرموهُ قريبًا من يديهِ ورجليهِ وهو يعرضُ عليه دين النَّصرانيَّة فيأبى، ثمَّ أمر به فأُنزل ثمَّ أمر بقِدْرٍ -وفي رواية: ببقرةٍ (٣) من نحاس- فأحميتْ وجاء بأسيرٍ من المسلمين فألقاهُ، وهو ينظرُ فإذا هو عظام (٤) تلوحُ وعرض عليه فأبى، فأمرَ به أن يلقى فيها، فرفع في البكرةِ ليُلقى فيها فبَكى فطمعَ فيه ودَعاه فقال: إنِّي إنَّما بكيتُ؛ لأنَّ نفسي إنَّما هي نفس واحدةٌ تُلقى في هذا القدر السَّاعة في الله، فأحببتُ أن يكون لي بعددِ كلِّ شعرةٍ في جسدِي نفس تعذَّب هذا العذاب في اللهِ، وروي أنَّه قبَّل رأسهُ وأطلقَه وأطلقَ معه جميع أسارى المسلمين عنده، فلمَّا رجع، قال عمرُ بن الخطَّاب : حقٌّ على كلِّ مسلمٍ أن يقبِّل رأس عبد الله بنِ حُذافة وأنا أبدأ، فقام فقبَّل رأسه.

(﴿وَلَكِن مَّن شَرَحَ بِالْكُفْرِ صَدْرًا﴾) أي: طاب نفسًا واعتقدَه (﴿فَعَلَيْهِمْ غَضَبٌ مِّنَ اللّهِ وَلَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ﴾ [النحل: ١٠٦]) في الدَّار (٥) الآخرة؛ لأنَّهم ارتدُّوا عن الإسلام للدُّنيا.

(وَقَالَ) جلَّ وعلا في سورة آل عمران: (﴿إِلاَّ أَن تَتَّقُواْ مِنْهُمْ تُقَاةً﴾ [آل عمران: ٢٨]) قال البخاريُّ: أخذًا من كلام أبي عُبيدة (وَهْيَ تَقِيَّةٌ) أي: إلَّا أن تخافوا من جهةِ الكافرين أمرًا تخافون، أي: إلَّا أن يكون للكافرِ عليك سُلطان فتخافه على نفسِك ومالكِ، فحينئذٍ يجوزُ لك إظهار الموالاةِ وإبطان المعاداة.

(وَقَالَ) تعالى في سورة النساء: (﴿إِنَّ الَّذِينَ تَوَفَّاهُمُ الْمَلآئِكَةُ﴾) ملك الموت وأعوانه و ﴿تَوَفَّاهُمُ﴾


(١) في (س) و (ص) و (ل): «يواتي».
(٢) في (س): «تملك».
(٣) في (ل): «بنقرة».
(٤) في (ص): «عظم».
(٥) في (د): «في الدنيا، و».

<<  <  ج: ص:  >  >>