للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

وهم من يتوهَّم أنَّ الرُّؤيا تطلق على رؤيةِ العين، فهي صفةٌ موضِّحة (فَكَانَ) (لَا يَرَى رُؤْيَا إِلَّا جَاءَتْ) ولأبي ذرٍّ عن الحَمُّويي والمُستملي: «إلَّا جاءته» (مِثْلَ فَلَقِ الصُّبْحِ) قال القاضي البيضاويُّ: شبَّه ما جاءه في اليقظة ووجدَه في الخارجِ طبقًا لما رآه في المنامِ بالصُّبح في إنارتهِ ووضوحهِ. والفلقُ الصُّبح لكنَّه لمَّا كان مستعملًا في هذا المعنى وفي غيرهِ أُضيف إليه للتَّخصيصِ والبيان إضافة العامِّ إلى الخاصِّ.

وقال في «شرح المشكاة»: للفلقِ شأنٌ عظيم، ولذا جاءَ وصفًا لله تعالى في قولهِ (١): ﴿فَالِقُ الإِصْبَاحِ﴾ [الأنعام: ٩٦] وأمر بالاستعاذةِ بربِّ الفلق؛ لأنَّه يُنبئ عن انشقاقِ ظُلمة عالم الشَّهادة، وطلوع تَبَاشير الصُّبح بظهورِ سُلطان الشَّمس وإشراقهَا الآفاق، كما أنَّ الرُّؤيا الصَّالحة مبشِّرة (٢) تُنبئ عن وفُور أنوارِ عالم الغيب، وإنارةِ مطالع الهداياتِ بسببِ الرُّؤيا الَّتي هي جزءٌ يسيرٌ (٣) من أجزاءِ النُّبوَّة (فَكَانَ) (يَأْتِي حِرَاءً) بكسر الحاء المهملة وتخفيف الراء ممدودة، مذكَّر مُنْصرف على الصَّحيح، وقيل: مؤنَّثٌ غير مُنْصرفٍ (فَيَتَحَنَّثُ) بالحاء المهملة آخره مثلَّثة، في غارٍ (فِيهِ، وَهْوَ) أي: التَّحنُّث (التَّعَبُّدُ) بالخلوةِ ومشاهدةِ الكعبة منه والتَّفكُّر، أو بما كان يُلقى إليه من المعرفة (اللَّيَالِيَ ذَوَاتِ العَدَدِ) مع أيَّامهنَّ، والوصف بذواتِ العدد يفيدُ التَّقليل كـ ﴿دَرَاهِمَ مَعْدُودَةٍ﴾ [يوسف: ٢٠]. وقال الكِرْمانيُّ: يحتمل الكثرةَ؛ إذ الكثير يحتاجُ إلى العدد وهو المناسب للمقام، وإنَّما كان يخلو بحراء دون غيره؛ لأنَّ جدَّه عبد المطَّلب أوَّل من كان يخلو فيه من قريشٍ، وكانوا يعظِّمونه لجلالتهِ وكبر سنِّه فتبعهُ على ذلك، فكان يخلو بمكان جدِّه، وكان الزَّمن الَّذي يخلو فيه شهر رمضان، فإن قريشًا كانت تفعله كما كانت تصوم يوم عاشوراء (وَيَتَزَوَّدُ لِذَلِكَ) التَّعبُّد (ثُمَّ يَرْجِعُ) إذا نفذ ذلك الزَّاد (إِلَى خَدِيجَةَ) (فَتُزَوِّدُهُ) ولأبي ذرٍّ عن الكُشمِيهنيِّ: «فتزوِّد» بحذف الضَّمير (لِمِثْلِهَا) لمثل اللَّيالي (حَتَّى فَجِئَهُ الحَقُّ) بفتح الفاء وكسر الجيم بعدها همزة، أي: جاءه الوحيُ بغتةً، وكأنَّه لم يكن متوقِّعًا للوحي، قاله النَّوويُّ. وتعقَّبه البُلقينيُّ بأنَّ في إطلاق هذا النَّفي نظرًا، فعند ابن


(١) في (د): «وصف الله تعالى في قوله تعالى».
(٢) في (د) و (ع) و (ص): «مبشرات».
(٣) «يسير»: ليست في (ع).

<<  <  ج: ص:  >  >>