للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

إسحاق عن عُبيد بن عمير: أنَّه وقعَ في المنام نظيرُ ما وقع له في اليقظةِ من الغطِّ والأمرِ (١) بالقراءةِ وغير ذلك. قال في «الفتح»: وفي كون ذلك يستلزم وقوعه في اليقظة حتَّى يتوقَّعَه نظرٌ، فالأولى ترك الجزمِ بأحد الأمرين (وَهْوَ) (فِي غَارِ حِرَاءٍ فَجَاءَهُ المَلَكُ) جبريل ، وفاء «فجاءَه» تفسيريَّة أو تعقيبية أو سببيَّة، و «حتَّى» لانتهاء الغاية، أي: انتهى توجُّهه لغارِ حراء بمجيء جبريل (٢) (فِيهِ) في الغار (فَقَالَ: اقْرَأْ) وهل سلَّمَ قبل قولهِ: اقرأ، أم لا؟ الظَّاهر لا؛ لأنَّ المقصود إذ ذاك تفخيمُ الأمر وتهويله، أو ابتداء السَّلام متعلِّق بالبشرِ لا الملائكة، ووقوعه منهم على إبراهيم؛ لأنَّهم كانوا في صورةِ البشر (٣) فلا يرد هنا، ولا سلامهم على أهلِ الجنَّة؛ لأنَّ أمور الآخرة مُغايرة لأمور الدُّنيا غالبًا. نعم، في رواية الطَّيالسيِّ: أنَّ جبريل سلَّم أولًا. لكن لم يرد أنَّه سلَّم عند الأمر بالقراءة، قاله في «الفتح» (فَقَالَ لَهُ النَّبِيُّ : مَا أَنَا بِقَارِئٍ) ولغير أبي ذرٍّ: «فقلتُ: ما أنا بقارئ» أي: ما أُحْسِنُ أن أقرأ (فَأَخَذَنِي) جبريلُ (فَغَطَّنِي) ضمَّني وعَصرني (حَتَّى بَلَغَ مِنِّي الجَهْدَُ) بفتح الجيم ونصب الدال مفعولٌ حذف فاعله، أي: بلغ الغطُّ منِّي الجَهدَ. وبضم الجيم ورفع الدال، أي: بلغ منِّي الجُهدُ مبلغَه فاعل بلغ (ثُمَّ أَرْسَلَنِي) أطلقني (فَقَالَ: اقْرَأْ، فَقُلْتُ: مَا أَنَا بِقَارِئٍ، فَأَخَذَنِي فَغَطَّنِي الثَّانِيَةَ حَتَّى بَلَغَ مِنِّي الجَهْدَُ ثُمَّ أَرْسَلَنِي فَقَالَ: اقْرَأْ، فَقُلْتُ: مَا أَنَا بِقَارِئٍ فَغَطَّنِي) ولأبي ذرٍّ عن الكُشمِيهنيِّ: «فأخذني فغطَّني» (الثَّالِثَةَ حَتَّى بَلَغَ مِنِّي الجَهْدَُ ثُمَّ أَرْسَلَنِي). قال في «شرح المشكاة»: قوله: «ما أنا بقارئ» أي: حكمي كسائر النَّاس من أنَّ حصول القراءةِ إنَّما هو بالتَّعلم وعدَمُه بعدمه، فلذلك أخذه وغطَّه مرارًا؛ ليخرجه عن حكمِ سائر النَّاس، ويستفرغ منه البشريَّة، ويفرغ فيه من صفات الملكيَّة (فَقَالَ) له حينئذٍ لما علم المعنى: (﴿اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ﴾) كلَّ شيء، وموضع ﴿بِاسْمِ رَبِّكَ﴾ النَّصب على الحال، أي: اقرأْ مفتتحًا باسمِ ربِّك قل: باسم الله، ثمَّ اقرأْ (حَتَّى بَلَغَ ﴿مَا لَمْ يَعْلَمْ﴾ [العلق: ١ - ٥]) ولأبي ذرٍّ: «حتَّى بلغ: ﴿عَلَّمَ الْإِنسَانَ مَا لَمْ يَعْلَمْ﴾». وفيه -كما قال الطِّيبيُّ-: إشارة إلى ردِّ ما تصوَّره من أنَّ القراءة إنَّما تتيسَّر بطريقِ التَّعليم فقط، بل إنَّها كما تحصلُ بواسطةِ المعلِّم قد تحصلُ بتعليمِ الله بلا واسطةٍ، فقوله: ﴿عَلَّمَ بِالْقَلَمِ﴾ إشارةً إلى العلم التَّعليمي، وقوله: ﴿عَلَّمَ الْإِنسَانَ مَا لَمْ يَعْلَمْ﴾ إشارة إلى


(١) في (ص): «أمره».
(٢) قال العلَّامة قطة رحمه الله تعالى: فيه أنَّ مدخول «حتى» هو مفاجأة الحقّ، لا مجيء المَلَك. تأمل.
(٣) في (ع): «الآدميين».

<<  <  ج: ص:  >  >>