للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

ويصدِّقه، واستدلَّ بظاهر هذه الآية -كما قال في «الكشَّاف» - ﴿لَمْ تَكُنْ آمَنَتْ مِن قَبْلُ﴾ صفةٌ لقوله: ﴿نَفْسًا﴾ وقوله: ﴿أَوْ كَسَبَتْ فِي إِيمَانِهَا خَيْرًا﴾ عطف على ﴿آمَنَتْ﴾ والمعنى: أنَّ أشراط (١) السَّاعة إذا جاءت وهي آياتٌ ملجئةٌ مضطرَّةٌ ذهب أوانُ (٢) التَّكليف عندها، فلم ينفعِ الإيمان حينئذٍ نفسًا غير مقدِّمةٍ إيمانها قبل ظهور الآيات، أو مقدِّمةً إيمانها غير كاسبةٍ خيرًا في إيمانها، فلم يفرِّق -كما ترى- بين النَّفس الكافرة إذا آمنت في غير وقت الإيمان وبين النَّفس التي آمنت في وقتها (٣) ولم تكسب خيرًا؛ ليُعلم أنَّ قوله: ﴿الَّذِين آمَنُواْ وَعَمِلُواْ الصَّالِحَاتِ﴾ [البقرة: ٢٥] جمع بين قرينتين لا ينبغي أن تنفكَّ إحداهما عن (٤) الأخرى حتَّى يفوز صاحبهما (٥) ويسعد، وإلَّا فالشَّقوة والهلاك. انتهى. وقد أُجيب عن هذا الظَّاهر بأنَّ المعنيَّ بالآية الكريمة: أنَّه إذا أتى بعض الآيات؛ لا ينفع نفسًا كافرةً إيمانها الذي أوقعته إذ ذاك، ولا ينفع نفسًا سبق إيمانها وما كسبت فيه خيرًا، فقد علَّق نفي الإيمان بأحد وصفين؛ إمَّا نفي سبق الإيمان فقط، وإمَّا سبقه مع نفي كسب الخير، ومفهومه: أنَّه ينفع الإيمان السَّابق وحده، أو السَّابق ومعه الخير، ومفهوم الصِّفة قويٌّ، فيُستَدلُّ بالآية لمذهب أهل السُّنَّة؛ فقد قلبوا دليلهم عليهم، وقال ابن المُنَيِّر ناصر الدِّين: هو يروم الاستدلال على أنَّ الكافر والعاصي في الخلود سواءٌ؛ حيث سوَّى في الآية بينهما في عدم الانتفاع بما يستدركانه بعد ظهور الآيات، ولا يتمُّ ذلك؛ فإنَّ هذا الكلام في البلاغة يلقَّب باللَّفِّ، وأصله: يوم يأتي بعض آيات ربِّك لا ينفع نفسًا إيمانها لم تكن مؤمنةً قبل إيمانها بعدُ، ولا نفسًا لم تكسب خيرًا قبلُ ما تكسبه من الخير بعدُ، فلفَّ الكلامين فجعلهما كلامًا واحدًا إيجازًا وبلاغةً، ويظهر بذلك أنَّها لا تخالف مذهب الحقِّ، فلا ينفع بعد ظهور الآيات اكتساب الخير، وإن نفع الإيمان المتقدِّم من الخلود؛ فهي بالرَّدِّ على مذهبه أَولى من أن تدلَّ له، وعند ابن مردويه عن عبد الله بن أبي أوفى قال: سمعت رسول الله يقول: «ليأتينَّ على النَّاس ليلةٌ تعدل ثلاث ليالٍ من لياليكم هذه، فإذا كان ذلك؛ يعرفها المتنفِّلون،


(١) في (د): «اشتراط»، ولعلَّه تحريفٌ.
(٢) في (ع): «ذهبت إقرار».
(٣) في (ب) و (س): «وقته».
(٤) في (ع): «على»، ولعلَّه تحريفٌ.
(٥) في (ع): «صاحبها».

<<  <  ج: ص:  >  >>