للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

(فَمَنْ قَضَيْتُ لَهُ بِحَقِّ مُسْلِمٍ) ذكر المسلم؛ ليكون أهول (١) على المحكوم له؛ لأنَّ وعيد غيره معلومٌ عند كلِّ أحدٍ، فذكر المسلم؛ تنبيهًا على أنَّه في حقِّه أشدُّ (فَإِنَّمَا هِيَ) أي: الحكومة أو الحالة (قِطْعَةٌ مِنَ النَّارِ) تمثيلٌ يفهم منه شدَّة التَّعذيب على من يتعاطاه، فهو من مجاز التَّشبيه (فَلْيَأْخُذْهَا أَوْ لِيَتْرُكْهَا) أمر تهديدٍ لا تخيير، فهو كقوله تعالى: ﴿فَمَن شَاء فَلْيُؤْمِن وَمَن شَاء فَلْيَكْفُرْ﴾ [الكهف: ٢٩] كذا قرَّره النَّوويُّ وغيره، وتُعقِّب بأنَّه إن أُريد به (٢) أنَّ كلًّا من الصِّيغتين للتَّهديد؛ فممنوعٌ، فإنَّ قوله: «أو ليتركها» للوجوب، في كلامٍ طويلٍ سبق في «كتاب المظالم» [خ¦٢٤٥٨] فليراجع، فحُكْمُ الحاكمِ ينفذُ ظاهرًا لا باطنًا، فلو قضى بشيءٍ رُتِّب على أصلٍ كاذبٍ -بأنْ كان باطن الأمر فيه بخلاف ظاهره- نفذ ظاهرًا لا باطنًا، فلو حكم بشهادة زورٍ بظاهري العدالة؛ لم يحصل بحكمه الحلُّ باطنًا، سواءٌ المال والنِّكاح وغيرهما، أمَّا المرتَّب على أصلٍ صادقٍ؛ فينفذ القضاء فيه باطنًا أيضًا قطعًا إن كان في محلِّ اتِّفاق المجتهدين، وعلى الأصحِّ عند البغويِّ وغيره إن كان في محلِّ اختلافهم، وإن كان الحكم لمن لا يعتقده لتتَّفق الكلمة ويتمَّ الانتفاع، فلو قضى حنفيٌّ لشافعيٍّ بشُفعة الجوار أو بالإرث بالرَّحم؛ حلَّ له الأخذ به، وليس للقاضي منعه من الأخذ بذلك، ولا من الدَّعوى به إذا أرادها؛ اعتبارًا بعقيدة الحاكم، ولأنَّ ذلك مجتَهدٌ فيه، والاجتهاد إلى القاضي لا إلى غيره، ولهذا أجاز للشَّافعيِّ أن يشهد بذلك عند من يرى جوازه وإن كان خلاف اعتقاده، ولو حكم القاضي بشيءٍ، وأقام المحكوم عليه بيِّنةً تنافي دعوى المحكوم له؛ سُمِعَتْ وبطل الحكم، وفي الحديث حجَّةٌ على الحنفيَّة؛ حيث ذهبوا إلى أنَّه ينفذ ظاهرًا وباطنًا في العقود والفسوخ، حتَّى لو قضى بنكاح امرأةٍ بشاهدَي زورٍ؛ حَلَّ وطؤها، وأجاب بعض شرَّاح «المشارق» منهم عن الحديث بأنَّ قوله في الرِّواية الأخرى: «فأقضي له بنحو ما أسمع منه» [خ¦٧١٦٨] ظاهره يدلُّ على أنَّ ذلك فيما كان يتعلَّق (٣) بسماع الخصم من غير أن يكون هناك بيِّنةٌ أو يمينٌ، وليس الكلام فيه، وإنَّما الكلام في القضاء بشهادة الزُّور، وبأنَّ قوله : «فمن قضيت له بحقِّ مسلمٍ … » إلى آخره شرطيَّةٌ، وهي لا تقتضي صدق المقدَّم، فيكون من باب فرض المحال؛ نظرًا إلى عدم جواز إقراره على الخطأ،


(١) في (ب): «أهون»، وهو تحريفٌ.
(٢) «به»: ليس في (د).
(٣) «يتعلَّق»: مثبتٌ من (د)، وفي (ع): «فيما إذا كان سماع».

<<  <  ج: ص:  >  >>