للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

ويجوز ذلك إذا تعلَّق به غرضٌ؛ كما في قوله تعالى: ﴿قُلْ إِن كَانَ لِلرَّحْمَنِ وَلَدٌ فَأَنَا أَوَّلُ الْعَابِدِينَ﴾ [الزخرف: ٨١] والغرض فيما نحن فيه التَّهديد والتَّقريع على اللَّسن، والإقدام على تلحين الحجج في أخذ أموال النَّاس، وبأنَّ الاحتجاج به يستلزم أنَّه يقرُّ على الخطأ؛ لأنَّه لا يكون ما قضى به قطعةً من النَّار إلَّا إذا استمرَّ الخطأ، وإلَّا؛ فمتى فُرِضَ أنَّه يطَّلع عليه؛ فإنَّه يجب أن يبطل ذلك الحكم، ويردَّ الحقَّ لمستحقِّه، وظاهر الحديث يخالف ذلك، فإمَّا أن يسقط الاحتجاج به ويؤوَّل على ما تقدَّم، وإمَّا أن يستلزم التَّقرير على الخطأ (١) وهو باطلٌ. انتهى. وأُجيب عنِ الأوَّل بأنَّه خلاف الظَّاهر، وكذا الثَّاني، وأمَّا الثَّالث؛ فإنَّ الخطأ الذي لا يقرُّ عليه هو الحكم الذي صدر عن اجتهاده فيما لم يُوحَ إليه فيه، وليس النِّزاع فيه، وإنَّما النِّزاع في الحكم الصَّادر منه بناءً على شهادة زورٍ أو يمينٍ فاجرةٍ، فلا يسمَّى خطأً؛ للاتِّفاق على وجوب العمل بالشَّهادة وبالأيمان، وإلَّا؛ لكان الكثير من الأحكام يسمَّى خطأً، وليس كذلك، وفي الحديث: «أُمِرت أن أقاتل النَّاس حتَّى يقولوا: لا إله إلَّا الله، فإذا قالوها؛ عصموا منِّي دماءهم وأموالهم» [خ¦٢٥] فحكم بإسلام من تلفَّظ بالشَّهادتين ولو كان في نفس الأمر يعتقد خلاف ذلك، وحديث: «إنِّي لم أُؤمر بالتَّنقيب على قلوب النَّاس»، وحينئذٍ فالحجَّة من الحديث ظاهرةٌ في شمول الخبر الأموالَ والعقود والفسوخ، ومن ثَمَّ قال الشَّافعيُّ: إنَّه لا فرق في دعوى حلِّ الزَّوجة لمن أقام بتزويجها شاهدَي زورٍ وهو يعلم بكذبهما، وبين منِ ادَّعى على حُرٍّ أنَّه (٢) ملكه وأقام بذلك شاهدَي زورٍ (٣) وهو يعلم حُرِّيَّته، فإذا حكم له حاكمٌ بأنَّه ملكه؛ لم يحلَّ له أن يسترقَّه بالإجماع، وقال القرطبيُّ: شنَّعوا على القائل بذلك قديمًا وحديثًا؛ لمخالفته للحديث الصَّحيح، ولأنَّ فيه صيانة المال (٤) وابتذال الفروج، وهي أحقُّ أن يُحتاط لها وتُصَان. انتهى.

والحديث سبق في «المظالم» [خ¦٢٤٥٨] و «الشَّهادات» [خ¦٢٦٨٠] و «الأحكام» [خ¦٧١٦٩].


(١) زيد في (ع): «انتهى أي».
(٢) زيد في (د): «في».
(٣) في (ع): «لم يحلَّ له استرقاقه بالإجماع» بدلًا من قوله: «وأقام بذلك شاهدَي زورٍ».
(٤) في (د) و (ع): «للمال».

<<  <  ج: ص:  >  >>