للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِّلْعَالَمِينَ﴾ [الأنبياء: ١٠٧] ثمَّ إعداده الجنَّة للخلق، ودعوته إيَّاهم إلى الجنَّة ونعيمها وبهجتها، ثمَّ إرشاده الخلق بسلوك الطَّريق إليها، واتِّباعهم إيَّاه بالاعتصام بالكتاب والسُّنَّة المُدْلَيَين إلى العالم السُّفليِّ، فكأنَّ النَّاس واقعون في مهواة طبيعتهم ومشتغلون بشهواتها، وإنَّ الله يريد بلطفه رفعهم، فأَدْلى حبلَي (١) القرآن والسُّنَّة إليهم ليخلِّصهم (٢) من تلك الورطة، فمن تمسَّك بهما، نجا وحصل في الفردوس الأعلى والجناب الأقدس عند مليكٍ مقتدرٍ، ومن أخلد إلى الأرض، هلك وأضاع نفسه من رحمة الله تعالى، بحال مضيفٍ كريمٍ بنى دارًا، وجعل فيها من أنواع الأطعمة المستلذَّة والأشربة المستعذبة ما لا يحصى ولا يوصف، ثمَّ بعث داعيًا إلى النَّاس يدعوهم إلى الضِّيافة إكرامًا لهم، فمن اتَّبع (٣) الدَّاعي، نال من تلك الكرامة، ومن لم يتَّبع حُرِمَ منها، ثمَّ إنَّهم وضعوا مكانَ حلولِ سخط الله بهم ونزول العقاب السَّرمديِّ عليهم قولهم: «لم يدخلِ الدَّار، ولم يأكل من المَأدبة»؛ لأنَّ فاتحة الكلام سيقت لبيان سبق الرَّحمة على الغضب، فلم يطابق أن لو خُتِم بما يصرِّح بالعقاب والغضب، فجاؤوا بما يدلُّ على (٤) المراد على سبيل الكناية (وَمُحَمَّدٌ فَرَّقَ) بتشديد الرَّاء: فارقٌ، ولغير أبي ذرٍّ: «فَرْقٌ» بسكونها على المصدر، وُصِفَ به للمبالغة، أي: الفارق (بَيْنَ النَّاسِ) المؤمن والكافر، والصَّالح والطَّالح؛ إذ به تميَّزتِ الأعمال والعمَّال، وهذا كالتَّذييل للكلام السَّابق؛ لأنَّه مشتملٌ على معناه ومؤكِّدٌ له، وفيه إيقاظٌ للسَّامعين من رقدة الغفلة، وحثٌّ على الاعتصام بالكتاب والسُّنَّة والإعراض عمَّا يخالفهما.

(تَابَعَهُ) أي: تابع محمَّد بن عَبَادة (قُتَيْبَةُ) بن سعيدٍ (عَنْ لَيْثٍ) هو ابن سعدٍ (عَنْ خَالِدٍ) أبي عبد الرَّحيم بن يزيدٍ المصريِّ (عَنْ سَعِيدِ بْنِ أَبِي هِلَالٍ) اللَّيثيِّ المدنيِّ (عَنْ جَابِرٍ) الأنصاريِّ أنَّه قال: (خَرَجَ عَلَيْنَا النَّبِيُّ ) وصله التِّرمذيُّ بلفظ: «خرج علينا النَّبيُّ يومًا فقال: إنِّي رأيت في المنام كأنَّ جبريل عند رأسي، وميكائيل عند رجلي، يقول أحدهما لصاحبه: اضرب له مثلًا، فقال: اسمع سَمِعتْ أذنك، واعقل عَقَلَ قلبك، إنَّما مثلك ومثل


(١) في (د) و (ص): «حبلٌ»، وكذا في شرح المشكاة، وزيد قبلها في (ص): «إلى العالم السفلي».
(٢) في (ع): «لتخليصهم».
(٣) في (د): «تبع».
(٤) زيد في (د): «أنَّ». وليست في شرح المشكاة.

<<  <  ج: ص:  >  >>