للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

وهو صريحٌ في تأخُّر الرَّواح عن الغسل، وقد عُلِم من تقييد الغسل بالمجيء (١): أنَّ الغسل للصَّلاة لا لليوم، وهو مذهب الشَّافعيِّ، ومالكٍ، وأبي حنيفة ، فلو اغتسل بعد الصَّلاة لم يكن للجمعة، ولو اغتسل بعد الفجر أجزأه عند الشَّافعيَّة والحنفيَّة، خلافًا للمالكيَّة والأوزاعيِّ، وفي حديث إسماعيل بن أميَّة عن نافعٍ عند أبي عَوانة وغيره: «كان النَّاس يغدون في أعمالهم، فإذا كانت الجمعة جاؤوا وعليهم ثيابٌ متغيِّرةٌ، فشكوا ذلك إلى رسول الله ، فقال: من جاء منكم الجمعة فليغتسل» فأفادَ سببَ الحديث، واستدل به المالكيَّة (٢) في أنَّه يُعتبَر أن يكون الغسل متَّصلًا بالذَّهاب لئلَّا يفوت الغرض وهو رعاية الحاضرين من (٣) التَّأذِّي بالرَّوائح حال (٤) الاجتماع، وهو غير مختصٍّ بمن تلزمه، قالوا: ومن اغتسل ثمَّ اشتغل عن الرَّواح إلى أن بَعُدَ ما بينهما عرفًا فإنَّه يعيد الغسل لتنزيل البعد منزلة التَّرك، وكذا إذا نام اختيارًا بخلاف من غلبه النَّوم، أو أكل أكلًا كثيرًا بخلاف القليل. انتهى. ومقتضى النَّظر أنَّه إذا عرف أنَّ الحكمة في الأمر بالغسل يوم الجمعة التَّنظيف (٥) رعايةً للحاضرين -كما مرَّ- فمن خشي أن يصيبه في أثناء النَّهار ما يزيل تنظيفه استُحِبَّ له أن يؤخِّر الغسل لوقت ذهابه -كما مرَّ- عن المالكيَّة، وبه صرَّح في «الرَّوضة» وغيرها. ومفهوم الحديث أنَّ الغسل لا يُشرَع لمن لا يحضرها كالمسافر والعبد، وقد صرَّح به في رواية عثمان بن واقدٍ عند أبي عَوانة، وابني خزيمة وحبَّان في «صحاحهم»، ولفظه: «من أتى الجمعة من الرِّجال والنِّساء فليغتسل، ومن لم يأتها فليس عليه غسلٌ» وهو الأصحُّ عند الشَّافعيَّة، وبه قال الجمهور خلافًا لأكثر الحنفيَّة، وذكر المجيء في قوله: «إذا جاء أحدكم الجمعة» للغالب، وإلَّا فالحكم شاملٌ لمجاور الجامع ومن هو مقيمٌ به.


(١) في (ص): «بالرَّواح».
(٢) في (م): «للمالكيَّة».
(٣) في (د): «في»، وليس بصحيحٍ.
(٤) في (د): «حالة».
(٥) في (م): «التنظف».

<<  <  ج: ص:  >  >>