للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

إلى غير ذلك، فإن قلت: لم عرَّفَ «الحقَّ» في قوله: «أنت الحقُّ، ووعدك الحقُّ»، ونكَّر في البواقي؟ قال الطِّيبيُّ: عرَّفها للحصر؛ لأنَّ الله هو الحقُّ الثَّابت الدَّائم الباقي، وما سواه في معرض الزَّوال، قال لبيدٌ:

ألا كلُّ شيءٍ ما خلا الله باطلُ ........................

وكذا وَعْدُه مختصٌّ بالإنجاز دون وعد غيره، وقال السُّهيليُّ: التَّعريف للدَّلالة على أنَّه المستحِقُّ لهذا الاسم بالحقيقة؛ إذ هو مقتضى هذه الأداة، وكذا في «وعدك الحقُّ» لأنَّ وعدَه كلامُهُ، وتركت في (١) البواقي؛ لأنَّها أمور مُحدَثةٌ، والمُحدَث لا يجب له البقاء من جهة ذاته، وبقاءُ ما يدوم منه عُلِمَ بالخبر الصَّادق لا من جهة استحالة فنائه، وتعقَّبه في «المصابيح» بأنَّه يرِد عليه قوله في هذا الحديث: «وقولك حقٌّ»، مع أنَّ قوله كلامه القديم، فيُنظر وجهه. انتهى. قال الطِّيبيُّ: وههنا سرٌّ دقيقٌ؛ وهو أنَّه لمَّا نظر في (٢) المقام الإلهيِّ ومقرَّبي حضرة الرُّبوبيَّة، عظَّم شأنه، وفخَّم منزلته، حيث ذكر النَّبيِّين، وعرَّفها باللَّام الاستغراقيَّة (٣)، ثمَّ خصَّ محمَّدًا من بينهم وعطفه عليهم إيذانًا بالتَّغاير، وأنَّه فائقٌ عليهم بأوصافٍ مختصَّة به، فإنَّ تغيُّر الوصف بمنزلة التَّغيُّر في الذَّات، ثمَّ حَكمَ عليه استقلالًا بأنَّه حقٌّ، وجرَّده عن ذاته كأنَّه غيرُه، وأوجب عليه تصديقه، ولمَّا رجع إلى مقام العبوديَّة ونظر إلى افتقار نفسه؛ نادى بلسان الاضطرار في مطاوي الانكسار: (اللَّهُمَّ لَكَ أَسْلَمْتُ) أي: انقدت لأمرك ونهيك (وَبِكَ آمَنْتُ) أي: صدَّقت بك وبما أنزلت (وَعَلَيْكَ تَوَكَّلْتُ)


(١) «في»: ليس في (م).
(٢) في (د) و (س): «إلى». وكذا في شرح المشكاة للطيبي.
(٣) في غير (ص): «الاستغراقي».

<<  <  ج: ص:  >  >>