للرُّكوب، ولبس خفَّيه وتعمَّم، فلمَّا مشى قدر عشرين خطوةً أو نحوها إلى الدَّابَّة ليركبها؛ قال: أرسلوني فقد ضَعُفْتُ، فأرسلوه، فدعا بدعواتٍ، ثمَّ اضطجع، فقضى، فسال عرقٌ كثيرٌ لا يُوصَف، وما سكن منه العرق حتَّى أُدرِج في أكفانه.
ورُوِيَ: أنَّه ضجر ليلةً، فدعا بعد أن فرغ من صلاة اللَّيل: اللهمَّ قد ضاقت عليَّ الأرض بما رَحُبَتْ، فاقبضني إليك، فمات في ذلك الشَّهر ليلة السَّبت ليلةَ عيد الفطر، سنة ستٍّ وخمسين ومئتين، عن اثنتين وستِّين سنةً إلَّا ثلاثة عشر يومًا، وكان أوصى أن يُكفَّن في ثلاثة أثوابٍ ليس فيها قميصٌ ولا عمامةٌ، ففُعِلَ به ذلك، ولمَّا صُلِّيَ عليه، ووُضِعَ في حفرته فاح من تراب قبره رائحةٌ طيِّبةٌ كالمسك، ودامت أيَّامًا، وجعل النَّاس يختلفون إلى قبره مدَّةً يأخذون منه.
وقال عبد الواحد بن آدم الطَّواويسيُّ: رأيت النَّبيَّ ﷺ، ومعه جماعةٌ من أصحابه، وهو واقفٌ في موضعٍ، فسلَّمت عليه، فردّ عليَّ السَّلام، فقلت: ما وقوفك هنا يا رسول الله؟ قال: أنتظر محمَّد بن إسماعيل، قال: فلمَّا كان بعد أيَّامٍ، بلغني موته، فنظرت فإذا هو في السَّاعة التي رأيت فيها النَّبيَّ ﷺ، ولمَّا ظهر أمره بعد وفاته خرج بعض مخالفيه إلى قبره، وأظهروا التَّوبة والنَّدامة. وقال أبو عليٍّ الحافظ: أخبرنا أبو الفتح نصر بن الحسن السَّمرقنديُّ، قدم علينا بَلَنْسِيَة عام أربعةٍ وستِّين وأربع مئةٍ، قال: قحط المطر عندنا بسمرقند في بعض الأعوام، فاستسقى النَّاس مرارًا، فلم يُسقَوا، فأتى رجلٌ صالحٌ معروفٌ بالصَّلاح إلى قاضي سمرقند، وقال له: إنِّي قد رأيت رأيًا أعرضه عليك، قال: وما هو؟ قال: أرى أن تخرج ويخرج النَّاس معك إلى قبر الإمام محمَّد بن إسماعيل البخاريِّ، ونستسقيَ عنده، فعسى الله أن يسقيَنا، فقال القاضي: نِعْمَ ما رأيت، فخرج القاضي ومعه النَّاس، واستسقى بهم، وبكى النَّاس عند القبر، وتشفَّعوا بصاحبه، فأرسل الله تعالى السَّماء عليهم بماءٍ عظيمٍ غزير، أقام النَّاس من أجله بخَرْتَنْكَ سبعة أيَّامٍ أو نحوها، لا يستطيع أحدٌ الوصول إلى سمرقند من كثرة المطر وغزارته، وبين سمرقند وخرتنك ثلاثةُ أيَّامٍ.