للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

إجماله وإبقاء (١) ذكره بنسبه المشهور، فأجاب بأن قال: لعلَّه لمَّا اقتضى التَّحقيق عنده أن يُبقي (٢) روايته عنه؛ خشية أن يكتم علمًا رزقه الله تعالى على يديه، وعذره في قدحه بالتَّأويل؛ خشي على النَّاس أن يقعوا فيه بأنَّه قد عدَّل من جرحه، وذلك يوهم أنَّه صدَّقه على نفسه، فيجرُّ ذلك إلى البخاريِّ وهنًا، فأخفى اسمه وغطَّى رسمه وما كتم علمه، والله أعلم بمراده من ذلك.

ولو فتحنا باب تعديد مناقبه الجميلة، ومآثره الحميدة؛ لخرجنا عن غرض الاختصار. ولمَّا رجع إلى بخارى نُصِبَت له القباب على فرسخٍ من البلد، واستقبله عامَّة أهلها حتَّى لم يبق مذكورٌ، ونُثِرَ عليه الدَّراهم والدَّنانير، وبقي مدَّةً يحدِّثهم، فأرسل إليه أمير البلد خالد بن محمَّدٍ الذُّهليُّ، نائب الخلافة العباسيَّة، يتلطَّف معه، ويسأله أن يأتيه بالصَّحيح، ويحدِّثهم به في قصره، فامتنع البخاريُّ من ذلك، وقال لرسوله: قل له: أنا لا أُذِلُّ العلمَ، ولا أحمله إلى أبواب السَّلاطين، فإن كانت له حاجةٌ إلى شيءٍ منه فليحضر إلى مسجدي أو داري، فإن لم يعجبك هذا فأنت سلطانٌ، فامنعني من المجلس؛ ليكون لي عذرٌ عند الله يوم القيامة أنِّي لا أكتم العلم. فحصلت بينهما وحشةٌ، فأمره الأمير بالخروج عن البلد، فدعا عليه وكان مُجابَ الدَّعوة، فلم يأتِ شهرٌ حتَّى ورد أمرُ الخلافة بأن يُنادَى على خالدٍ في البلد، فنُودِي على خالدٍ على أتانٍ، وحُبِسَ إلى أن مات، ولم يبق أحدٌ ممَّن ساعده إلَّا ابتُلِي ببلاءٍ شديدٍ.

ولما خرج البخاريُّ من بخارى كتب إليه أهل سمرقند يخطبونه إلى بلدهم، فسار إليهم، فلمَّا كان بخَرْتَنْك؛ بفتح الخاء المُعجَمة وإسكان الرَّاء وفتح الفوقيَّة وسكون النُّون بعدها كافٌ، وهو على فرسخين من سمرقند بلغه أنَّه قد وقع بينهم بسببه فتنةٌ؛ فقومٌ يريدون دخوله، وآخرون يكرهونه، وكان له أقرباءُ بها، فنزل عندهم حتَّى ينجليَ الأمر، فأقام أيَّامًا، فمرض، حتَّى وُجِّهَ إليه رسولٌ من أهل سمرقند، يلتمسون خروجه إليهم، فأجاب وتهيَّأ


(١) في (س): «وارتقاء».
(٢) في (ج): «ينفي».

<<  <  ج: ص:  >  >>