للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

الجنَّ والإنس، سُميِّا بذلك؛ لثقلهما على الأرض، والحكمة في عدم سماعهما الابتلاء، فلو سمعا لكان الإيمان منهما ضروريًّا، ولأعرضوا عن التَّدبير والصَّنائع، ونحوهما ممَّا يتوقَّف عليه بقاؤهما أيضا (١)، ويدخل في قوله: «مَن يليه» (٢) الملائكة فقط؛ لأنَّ «مَن» للعاقل، وقيل: يدخل غيرهم أيضًا تغليبًا، وهو أظهر، فإن قلت: لم منعت الجنُّ سماع هذه الصَّيحة دون سماع كلام الميِّت إذا حمل، وقال: قدِّموني قدِّموني (٣)؟ أُجيِبَ بأنَّ كلام الميِّت إذ ذاك في حكم الدُّنيا، وهو اعتبارٌ لسامعه وعظةٌ، فأسمعه الله الجنَّ؛ لما فيهم من قوَّةٍ يثبتون بها عند سماعه، ولا يُصعَقون بخلاف الإنسان الَّذي يُصعَق لو سمعه، وصيحة الميِّت في القبر عقوبةٌ وجزاءٌ، فدخلت في حكم الآخرة، وفي الحديث: جواز المشي بين القبور بالنِّعال؛ لأنَّه قاله وأقرَّه، فلو كان مكروهًا لبيَّنه، لكن يعكر عليه احتمال أن يكون المراد بسماعه إيَّاها بعد أن يجاوزوا المقبرة، وحينئذٍ فلا دلالة فيه على الجواز، ويدلُّ على الكراهة حديث بَشِير بن الخصاصية عند أبي داود والنَّسائيِّ، وصحَّحه الحاكم: أنَّ النَّبيَّ رأى رجلًا يمشي بين القبور، عليه نعلان سبتيَّتان (٤)، فقال: «يا صاحب السَّبتيَّتين (٥) ألق نعليك»، وكذا يُكْرَه الجلوس على القبر، والاستناد إليه، والوطء عليه، توقيرًا للميِّت إلَّا لحاجةٍ، كأن لا يصل إليه (٦) إلَّا بوطئه، فلا كراهة، وأمَّا حديث مسلمٍ: «لَأَنْ يجلس أحدكم على جمرةٍ فتحرق ثيابه حتَّى تخلص إلى جلده خير له من أن يجلس على قبرٍ»، ففسَّره (٧) رواية أبي هريرة بالجلوس للبول والغائط، ورواه ابن وهبٍ أيضًا في «مسنده» بلفظ: «مَن جلس على قبرٍ يبول أو


(١) زيد في (ص): «أيضًا».
(٢) في (م): «بقيَّة».
(٣) «قدموني»: ليس في (د).
(٤) في غير (م): «سبتيَّان».
(٥) في (ص) و (ب) و (س): «السبتين»، وهوتحريفٌ.
(٦) «إليه»: ليس في (د).
(٧) في (م): «ففسَّرتْه».

<<  <  ج: ص:  >  >>