للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

وأمَّا ظهور فعل القراءة في قوله تعالى: ﴿اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ﴾ [العلق: ١] فلأنَّ الأهمَّ ثمَّةَ القراءةُ؛ ولذا قُدِّم الفعل فيها على مُتعلَّقه، بخلاف البسملة؛ فإنَّ الأهمَّ فيها الابتداء، قاله البيضاويُّ وغيره. وتُعقِّب: بأنَّ تقدير النُّحاة: «أبتدئ» هو المُختار؛ لأنَّه يصحُّ في كلِّ موضعٍ، والعامُّ تقديره أَوْلى، ولأنَّ تقدير فعل الابتداء هو الغرض المقصود من البسملة؛ إذ الغرض منها أن تقع مُبتدأةً موافقة لحديث: «كلُّ أمرٍ ذي بالٍ»، وكذلك في كلِّ فعل ينبغي ألَّا يُقدَّر فيه إلَّا فعل الابتداء لأنَّ الحضَّ جاء عليه، وأيضًا: فالبسملة غير مشروعةٍ في غير الابتداء، فلمَّا اختصَّت بالابتداء وجب أن يُقدَّر لها فعل الابتداء، وأُجِيب: بأنَّ تقديرَ الزَّمخشريِّ أَوْلى وأتمُّ شُمولًا؛ لاقتضائه أنَّ التَّسمية (١) واقعةٌ على القراءة كلِّها مصاحبةٌ لها، وتقدير «أبدأ» يقتضي مصاحبتها لأوَّل القراءة دون باقيها، وقوله: «إنَّ الغرض منها أن تقع التَّسمية مبدأً» نقول (٢) بموجبه؛ فإنَّ ذلك يقع فعلًا (٣) بالبداءة بها، لا بإضمار فعل الابتداء، ومن بدأ في الوضوء بغسل وجهه؛ لا يحتاج في كونه بادئًا إلى إضمار «بدأت»، والحديث الذي ذكره لم يقل فيه: كل أمر ذي بالٍ لا يُقال فيه: أبدأ، وإنَّما أُرِيد طلب إيقاعها بالفعل، لا بإضمار فِعلها، وأمَّا دلالةُ الحديث على طلب البداءة فامتثال ذلك بنفس البداءة لا بلفظها.

واختُلِف هل الاسم عين المسمَّى أو غيره؟ واستدلَّ القائلون بالأوَّل بنحو: ﴿فَسَبِّحْ بِاسْمِ رَبِّكَ الْعَظِيمِ﴾ [الواقعة: ٧٤] و ﴿سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الْأَعْلَى﴾ [الأعلى: ١] فأُمِرَ بتسبيح اسم الله تعالى، والمسبَّح هو الباري، فاقتضى أنَّ اسم الله تعالى هو هو لا غيره، وأُجِيب: بأنَّه أُشرِب «سبِّح» معنى «اذكر»، فكأنَّه قال: اذكر اسم ربِّك، وتحقيق ذلك: أنَّ الذَّات هي المُسمَّى، والزَّائد عليها هو الاسم، فإذا قلت: عالمٌ؛ فهناك أمران: ذاتٌ وعَلَمٌ، فالذَّات هو المسمَّى، والعَلَم هو الاسم، فإذا فُهِمَ هذا فالأسماء منها ما هو عينُ المُسمَّى، ومنها ما هو غيره، ومنها ما يُقال فيه: لا عينٌ ولا غيرٌ.

فالقسم الأوَّل مثل: موجودٍ، وقديمٍ، وذاتٍ، فإنَّ الموجود عين الذَّات، وكذا القديم.

والقسم الثَّاني مثل: خالقٍ، ورازقٍ، وكلِّ صفات الأفعال، فإنَّ الفعل الذي هو الاسم غير الذَّات.


(١) في (ص): «البسملة».
(٢) في (ص): «بعد القول».
(٣) في (ص): «محلًّا».

<<  <  ج: ص:  >  >>