والقسم الثَّالث مثل: عالمٍ، وقادرٍ، وكلِّ الصفات الذَّاتية، فإنَّ الذَّات التي هي المُسمَّى، لا يُقال في العلم الذي هو الاسم: إنَّه غيرها ولا عينها.
هذا تحقيق ما قاله الأشعريُّ في هذه المسألة، وما نُقِلَ عنه خلاف هذا فهو خبطٌ، كذا رأيته منسوبًا للعلَّامة البساطيِّ من أئمَّة المالكيَّة، وسيأتي -إن شاء الله تعالى- في «كتاب التَّوحيد» في «باب السُّؤال بأسماء الله تعالى والاستعاذة بها»[خ¦٩٧/ ١٣ - ١٠٩٣٠] مزيدٌ لذلك بعون الله تعالى، وليس مراد القائل: بأنَّ الاسم عين المسمَّى أنَّ اللَّفظ الذي هو الصَّوت المكيَّف بالحروف عين المعنى الذي وُضِعَ له اللَّفظ؛ إذ لا يقول به عاقلٌ، وإنَّما مراده أنَّه قد يُطلَق اسمُ الشَّيء مرادًا به مسمَّاه، وهو الكثير الشَّائع، فإنَّك إذا قلت: اللهُ ربُّنا، ونحو ذلك؛ إنَّما تعني به: الإخبار عن المعنى المدلول عليه باللَّفظ، لا عن نفس اللَّفظ، وقد قال جماعةٌ: إنَّ الاسم الأعظم هو اسم الجلالة الشَّريفة؛ لأنَّه الأصل في الأسماء الحسنى؛ لأنَّ سائرها يُضاف إليه، والرَّحمن صفةٌ لله تعالى، وعُورِضَ بوروده غير تابعٍ لاسمٍ قبله، قال الله تعالى: ﴿الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى﴾ [طه: ٥] ﴿الرَّحْمَنُ. عَلَّمَ الْقُرْآنَ﴾ [الرحمن: ١ - ٢] وأُجِيبَ: بأنَّه وصفٌ يُراد به الثَّناء، وقِيلَ: عطف بيانٍ، وردَّه السُّهيليُّ بأنَّ اسم الجلالة الشَّريفة غير مفتقر لبيانٍ؛ لأنَّه أعرف المعارف كلِّها؛ ولذا قالوا: وما الرَّحمن؟ ولم يقولوا: وما الله؟
والرَّحيم: فَعِيلٌ، حُوِّل من فاعلٍ للمُبالغَة، والاسمان مشتقَّان من الرَّحمة، ومعناهما واحدٌ عند المحقِّقين، إلَّا أنَّ «الرَّحمن» يختصُّ به تعالى، فهو خاصُّ اللَّفظ؛ إذ إنَّه لا يجوز أن يُسمَّى به أحدٌ غير الله تعالى، عامُّ المعنى من حيث إنَّه يشمل جميع الموجودات، و «الرَّحيم» عامٌّ من حيث الاشتراك في التَّسمِّي به، خاصٌّ من طريق المعنى؛ لأنَّه يرجع إلى اللُّطف والتَّوفيق (١)، وقُدِّم الرَّحمن؛