ألزمَ للشَّيء كان أقربَ خُطورًا بالبال عند إطلاق اللَّفظ، وهذا يوهم أنَّهم لا يشترطون النِّيَّة في العبادات، وليس كذلك، فإنَّ الخلاف ليس إلَّا في الوسائل، أمَّا المقاصد فلا اختلاف في اشتراط النِّيَّة فيها، ومن ثمَّ لم يشترطوها في الوضوء؛ لأنَّه مقصودٌ لغيره لا لذاته، فكيفما حصل حصلَ المقصود، وصار كستر العورة وباقي شروط الصَّلاة التي لا تفتقر إلى نيَّةٍ، وإنمَّا احتيج في الحديث إلى التَّقدير؛ لأنَّه لابدَّ للجارِّ من متعلَّق محذوفٍ هنا، هو الخبر في الحقيقة على الأصحِّ، فينبغي أن يجعل المقدَّر أوَّلًا في ضمن الخبر، فيُستغنَى عن إضمار شيءٍ في الأوَّل؛ لئلَّا يصير في الكلام حذفان: حذف المبتدأ أوَّلًا، وحذف الخبر ثانيًا، وتقديره: إنَّما صحَّة الأعمال كائنةٌ بالنِّيَّات، لكن قال البرماويُّ: يعارضه أنَّ الخبر يصير كونًا خاصًّا، وإذا قدَّرنا: إنَّما صحة الأعمال كائنةٌ بالنيَّات، كان كونًا مطلقًا، وحذف الكون المُطلَق أكثر من الكون الخاصِّ، بل يمتنع إذا لم يدلَّ عليه دليلٌ، وحذف المضاف كثيرٌ أيضًا، فارتكاب حذفين بكثرةٍ وقياسٍ أَوْلَى من حذف واحدٍ بقلَّةٍ وشذوذٍ، وهو الوجه المرضيُّ، ويشهد لذلك: ما قرَّروه في حذف خبر المبتدأ بعد «لولا» في الكون العامِّ والخاصِّ، ومنهم من جعل المقدَّر «القَبول» أي: إنَّما قَبول الأعمال، لكن تُردِّدَ في أنَّ القَبول ينفكُّ عن الصِّحَّة أم لا؟ فعلى الأوَّل: هو كتقدير الكمال، وعلى الثَّاني: كتقدير الصِّحَّة، ومنهم من قال: لا حاجة إلى إضمار محذوفٍ من الصِّحَّة أو الكمال أو نحوهما؛ إذ الإضمار خلاف الأصل، وإنَّما المراد حقيقة العمل الشَّرعيِّ، فلا يحتاج حينئذٍ إلى إضمارٍ.