للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:
مسار الصفحة الحالية:

فرض عينٍ جهتين: جهة تطوُّعٍ من حيث إنَّه ليس عليه فرض عين، وجهة فرض كفايةٍ من حيث إحياء الكعبة، قال الزَّركشيُّ: وفيه التزام السُّؤال؛ إذ لم يخلص لنا حجُّ تطوُّعٍ على حدته، وفي الأوَّل التزامه بالنِّسبة للمُكلَّفين، ثمَّ إنَّه لا يبعد وقوعه من غيرهم فرضًا، ويسقط به فرض الكفاية عن المُكلَّفين كما في الجهاد وصلاة الجنازة. انتهى.

واختُلِف: هل هو على الفور أو على (١) التَّراخي؟ فعند الشَّافعيَّة على التَّراخي لأنَّ الحجَّ فُرِض سنة خمسٍ كما جزم به الرَّافعيُّ في «كتاب الحجِّ»، أو سنة ستٍّ كما صحَّحه في «السِّير» (٢)، وتبعه عليه في «الرَّوضة»، ونقله في «شرح المُهذَّب» عن الأصحاب، وعليه الجمهور لأنَّه نزل فيها قوله تعالى: ﴿وَأَتِمُّواْ الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ لِلّهِ﴾ [البقرة: ١٩٦] وهذا ينبني على أنَّ المراد بالإتمام ابتداء الفرض، ويؤيِّده ما أخرجه الطَّبريُّ بأسانيد صحيحةٍ عن علقمة ومسروقٍ وإبراهيم النَّخعيِّ أنَّهم قرؤوا: «وأقيموا الحجَّ»، وقِيلَ: المراد بالإتمام: الإكمال بعد الشُّروع، وهو يقتضي تقدُّم فرضه قبل ذلك، وقد أخَّره إلى سنة عشرٍ من غير مانعٍ، فدلَّ على التَّراخي، وإليه ذهب اللَّخميُّ وصاحب المقدِّمات والتِّلمسانيُّ من المالكيَّة، وحكى ابن القصَّار عن مالكٍ: أنَّه على الفور، وتابعه العراقيُّون، وشهَّره صاحب «الذَّخيرة» (٣) وصاحب «العدَّة» وابن بَزِيزَة، لكنَّ القول بالتَّراخي مُقيَّدٌ بعدم خوف الفوات، والاستطاعة: الزَّاد والرَّاحلة كما فسَّره ، وهو يؤيِّد قول الشَّافعيِّ: إنَّها بالمال، ولذلك أوجب الاستنابة على الزَّمِن إذا وجد أجرة من ينوب عنه، وقال مالكٌ: بالبدن، فيجب على من قدر على المشي والكسب في الطَّريق، وقال أبو حنيفة: بمجموع الأمرين. ثمَّ إنَّ اليهود حين أُمِروا بالحجِّ قالوا: ما وجب علينا؟ فنزل قوله تعالى: (﴿وَمَن كَفَرَ﴾) أي: جحد فريضة الحجِّ (﴿فَإِنَّ الله غَنِيٌّ عَنِ الْعَالَمِينَ﴾ [آل عمران: ٩٧]) فلا يضرُّه كفرهم


(١) «على»: ليس في (م).
(٢) في (م): «السُّنن».
(٣) في (د): «الدَّخيرة»، وهو تصحيفٌ.

<<  <  ج: ص:  >  >>