للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:
مسار الصفحة الحالية:

الإسلام الخمس، ولا يتكرَّر وجوبه إلَّا لعارض نذرٍ أو قضاءٍ عارضٍ، روى مسلمٌ حديث أبي هريرة: خطبنا رسول الله ، فقال: «يا أيُّها النَّاس، قد فرض الله عليكم الحجَّ فحجُّوا»، فقال رجلٌ: يا رسول الله، أكلَّ عامٍ؟ فسكت حتَّى قالها ثلاثًا، فقال النَّبيُّ : «لو قلتُ: نعم لوجبت ولَما استطعتم» أي: أتأمرنا أن نحجَّ كلَّ عامٍ؟ وهذا يدلُّ على أنَّ مُجرَّد الأمر لا يفيد التَّكرار ولا المرَّة، وإلَّا لمَا صحَّ الاستفهام، وإنَّما سكت حتَّى قالها ثلاثًا زجرًا له عن السُّؤال، فإنَّ التَّقدُّم بين يدي رسول الله منهيٌّ عنه لقوله تعالى: ﴿لَا تُقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيِ اللهِ وَرَسُولِهِ﴾ [الحجرات: ١] لأنَّه مبعوثٌ لبيان الشَّرائع وتبليغ الأحكام (١)، فلو وجب الحجُّ كلَّ سنةٍ لَبيَّنه لهم لا محالة، ولا يقتصر على الأمر به مطلقًا، سواءٌ سُئِل عنه أو لم يُسأَل عنه، فيكون استعجالًا ضائعًا، ثمَّ لمَّا رأى أنَّه لا يُزجَر به ولا يقنع إلَّا بالجواب الصَّريح أجاب عنه بقوله: «لو قلت: نعم لوجبت» كل عامٍ حجَّةٌ (٢)، فأفاد به أنَّه لا يجب في كلِّ عامٍ لِما في «لو» من الدَّلالة على انتفاء الشَّيء لانتفاء غيره، وأنَّه (٣) لم يتكرَّر لِما فيه من الحرج والكلف الشَّاقَّة، قاله البيضاويُّ. وتعقَّبه الطِّيبيُّ بأنَّ: الاستدلال بسؤال الرَّجل على أنَّ الأمر لا يفيد التَّكرار ولا (٤) المرَّة ضعيفٌ لأنَّ الإنكار واردٌ على السُّؤال الذي لم يقع موقعه، ولهذا زجره، وقال: «ذروني ما تركتكم» يعمُّ (٥) الخطاب؛ يعني: اقتصِروا على ما أمرتكم (٦) به (٧) على قدر استطاعتكم، فقد علم أنَّ الرَّجل لو لم يسأل لم يُفِدِ الأمر غير المرَّة، وأنَّ التَّكرار يفتقر إلى دليلٍ خارجيٍّ. انتهى. ثمَّ إنَّ الحجَّ مطلقًا إمَّا فرض عينٍ أو فرض كفايةٍ أو تطوُّعٍ، واستُشكِل تصويره، وأُجيب بأنَّه يُتصوَّر في العبيد والصِّبيان لأنَّ الفرضين لا يتوجَّهان إليهما (٨)، وبأنَّ في حجِّ من ليس عليه


(١) في (ص): «لتبليغ الشَّرائع وبيان الأحكام».
(٢) «حجَّةٌ»: ليس في (د).
(٣) في (د): «وإن».
(٤) زيد في (د): «ولا»، وهو تكرارٌ.
(٥) في (د): «فعمَّ»، وفي (م): «نعم»، وهو تحريفٌ.
(٦) في (م): «أمركم».
(٧) «به»: ليس في (ص).
(٨) «إليهما»: ليس في (ص) و (م)، وفي (د): «إليهم».

<<  <  ج: ص:  >  >>